توقعت الضجة التى ستحدث بعد عرض حلقة «يتفكرون» بجزأيها الأول والثانى عن تاريخ الأديان، والتى استضفت فيها اثنين من أهم الباحثين فى هذا المجال، وهما السورى فراس السواح والعراقى خزعل الماجدى، فالموضوع حساس، ودائماً نحن على خصام مع تطبيق مناهج العلم الحديث على النصوص المقدسة، ولدينا فوبيا من إخضاع الأديان والنظر إليها من منظار التاريخ.
الإيمان مكانه القلب، وهذا ما قاله وأكد عليه الباحثان، لكن العلم مكانه المعمل والبحث وإخضاع المعلومات الواردة فى تلك النصوص للتحرى والحفريات والتوثيق... إلخ. كان لا بد من خلخلة بعض الأفكار إذا كنا ننشد الدراسة العلمية للأديان، أولها وأهمها عدم الاستعلاء والاحتقار بمسميات مثل الأديان الوضعية والنظر إليها من منطلق أنها أدنى لأن هذا لا يتسق مع الدراسة العلمية، وأيضاً النظر إلى المجتمع الجاهلى على أنه مجتمع منعدم الثقافة بلا أى قيم أو إبداع، من الممكن تسميته مجتمع ما قبل الإسلام مثلاً، لكن تحميل التسمية ظلالاً أيديولوجية للتسفيه والإدانة هو أيضاً سلوك لا علمى، وأيضاً الربط ما بين الدين والأخلاق وأنه المصدر الوحيد لها، سيجعلنا ننظر إلى مجتمعات مثل اليابان والصين.. إلخ على أنها مجتمعات لا أخلاقية بينما هى على العكس مجتمعات تحمل قيماً وتحترم ضميراً، عدم وجود مفاهيم التكفير والهرطقة والزندقة لدى أديان شرق آسيا خفف من غلواء التطرف الدينى، تجريح العقائد عمل عبثى ومحاولات الحرب الجدلية بينها لا جدوى منها.
التفسير أحياناً ينتصر لمعانٍ ليست فى النص المقدس، ولنأخذ أشهر القصص وهى قصة طرد آدم من الجنة بسبب حواء، وبالرغم من أن النص المقدس للمسلمين لم يقل بأن حواء خُلقت من ضلع آدم ولا أنها السبب فى الطرد من الجنة... إلخ، فإن معظم المسلمين يرددون تلك الأفكار التى انتقلت من التفاسير ورسختها خطب رجال الدين، تلك الأفكار وغيرها مفتاح التغيير الذى تحمله لتجديد الفكر الدينى هو فى توفير مناخ الحرية كحاضنة لها، لتتفاعل مع الفضاء العام والجمهور بدون وصاية أو حظر أو فزع أو ترهيب، وقد بدأ طه حسين وهو ما زال شاباً فى بدايات القرن العشرين تلك الخطوة بإخضاع الشعر الجاهلى للمنهج العلمى الذى عموده الأساسى هو الشك، قوبل بضجة رهيبة وكلنا يعرف تفاصيل المحاكمة أو تحقيق النيابة الذى خرج منه سالماً بفضل استنارة وكيل النيابة الشجاع، حاول بعدها فى نهايات نفس القرن نصر حامد أبوزيد بعد أن تغير المناخ وجرت فى النهر مياه كثيرة، فصدر حكم الفصل بينه وبين زوجته فى أعجب حكم سمعته مصر ضد مفكر وانتهى بالنفى والموت قهراً وكمداً.
والآن، ونحن فى زمن السماوات المفتوحة والإنترنت الكاشف الذى لم يعد ينفع معه تداول مصطلحات ومقولات المسكوت عنه ولا تجادل يا أخى، فى هذا الزمن الذى لا يعترف إلا بالعلم كأداة بحث وتنقيب وتغيير، يجب علينا أن نحترم العلم ولا يصيبنا الفزع من ضياع الأخلاق والإيمان والأديان كما نتخيل، لكن هناك متغيرات لا يصح معها ولا ينفع أن نتمسك بتفسيرات قديمة صارت عبئاً على النص وعلى الدين نفسه، ووضعها فى خانة التاريخ سينقذ الجميع وعلى رأسهم مكانة الدين.
نقلا عن الوطن