هاني لبيب
بالطبع لدينا مشكلة فى المحاولات المستمرة لطمس الهوية المصرية فى مقابل ترسيخ هويات أخرى وافدة، هويات ترتدى عباءة الدين تارة، وتتظاهر بالتقدم والتطور تارة أخرى، إنها واحد من أهم التحديات التى تواجهنا، وهى بالمناسبة تحديات داخلية قبل أن تكون خارجية، خاصة فى ظل ندرة وجود كتابات بسيطة وسهلة ترسخ للهوية والوطنية بشكل غير مباشر، وعلى سبيل المثال هناك مَن يصف حضارتنا الفرعونية بالحضارة الوثنية، ومنهم مَن يصفها بسذاجة بأنها حضارة «المساخيط».
ولحسن الحظ أننى وجدت ما يرد على هذه الادعاءات الغريبة فى كتاب بعنوان: «اختراعات وابتكارات فرعونية» لبسام الشماع. الكتاب يؤكد أن الفراعنة كان لهم العديد من الاختراعات والابتكارات التى ساعدتهم عمليًا فى حياتهم، حيث قاموا بدراسة الطبيعة من حولهم لكى يطوعوها لصالحهم.
من المعروف أن المصرى القديم ابتكر علم الطب عن طريق الطبيب العبقرى «إيمحوتب»، فهو مَن أرسى قواعد الطب حوالى عام 2700 ق م، ثم تعلم منه «أبوقراط»، الطبيب اليونانى الذى أُطلق عليه «أبوالطب». أما عن «حسى- رع» فقد كان أول طبيب أسنان عرفته الحضارات القديمة، وقد تعامل مع مشاكل طبية على غرار: حل مشكلة تسوس الأسنان وآلامها، وخلع الفك وآلام اللثة، وصنع وتركيب الأسنان الاصطناعية العاجية.
ابتكر المصرى القديم علم التحنيط، وهو الابتكار الذى لانزال نقف عاجزين عن فك طلاسمه رغم معرفتنا لمقاديره ومواده، كما اخترع الكتابة بمستوياتها، الهيروغليفية ككتابة ملكية مقدسة، والديموطيقية ككتابة للعامة، والهيراطيقية ككتابة للكهنة، كما صنع ورق البردى للكتابة عليه بحبر يتم استخلاصه من طحن الحجر الأسود والأحمر بعد إضافة بعض السوائل إليهما.
برع المصرى القديم فى كتابة الشعر بأنواعه المتعددة، والقصص «الطويلة والقصيرة» مثل قصة الأخوين والفلاح وشكاواه التسع وقصة سنوحى وهى من الأدب الشعبى، وابتكر المصرى القديم كذلك نظامًا سياسيًا يسهل عملية الحكم عن طريق وضع الملك على عرش البلاد، وحوله مجموعة من المستشارين والنبلاء، ثم مديرين ورؤساء للأقسام المختلفة، ثم مجموعات من العمال يقودهم رئيس العمال. وتم تقسيم البلاد إلى ضواحٍ وأقاليم، وكان لكل إقليم رمز وعَلَم وعمدة. ويُعد «كا- عبر» هو أشهر عمدة، حيث نجد له تمثالًا خشبيًا شهيرًا بالمتحف المصرى.
يُحسب للفراعنة أنهم أول مَن شيد القصور والمسلات العالية، وابتكروا نظامًا معماريًا للأهرامات به دهاليز للتهوية من خلال ممرات متصلة ببعضها بطريقة محددة تسمح بمرور الهواء المنعش وتجديده من خارج الهرم. وبالطبع فإن علم ترميم الآثار الذى يتبعه الأثريون حاليًا فى العالم يعود بجذوره إلى الفراعنة، حيث يُعتبر «توت عنخ آمون» و«خع ام واست» من أشهر المُرمِّمين لآثار أجدادهم. الطريف فى مدى تطور أجدادنا الفراعنة هو اكتشاف العديد من البرديات التى تحمل نصوصًا وعقود زواج تثبت حق المرأة عند الزواج، وأيضًا فى حالة الانفصال، حفاظًا على حقها.
نقطة ومن أول السطر.. الهوية المصرية ذات الجذور التاريخية العظيمة هى المرتكز الحقيقى لبناء الدولة المدنية المصرية.. بعيدًا عن محاولات التمييز والاستبعاد والإقصاء التى يقوم بها المتشددون والتكفيريون والإرهابيون.
نقلا عن المصرى اليوم