مراد وهبة
الحداثة فى قاموس أكسفورد الإنجليزى تعنى المناهج الجديدة والاعتقاد فى العلم، والتخطيط، واشتهاء التماثل، والنظام، والتوازن، والثقة فى التقدم بلا حدود.
ومن هذه الزاوية يمكن رد الحداثة، فى أصل نشأتها، إلى كل من الفيلسوف الإنجليزى بيكون والفيلسوف الفرنسى ديكارت. وضع بيكون منطقاً جديداً لتكوين عقل جديد يتطهر مما علق به من أصنام يسميها «أصنام العقل».
وهى أربعة أنواع:
«أصنام القبيلة» وهى ناشئة عن طبيعة الإنسان من حيث إن الانسان ميال بطبعه إلى تعميم بعض الحالات دون الالتفات إلى الحالات المعارضة لها. و«أصنام الكهف»، وهى ناشئة عن أن كل فرد يحيا فى كهف خاص به ومنه ينظر إلى العالم.
و« أصنام السوق»، وهى ناشئة عن ألفاظ موضوعة لأشياء غير موجودة، أو لأشياء غامضة أو متناقضة.
و« أصنام المسرح»، وهى الآتية مما تتخذه النظريات المتوارثة من نفوذ جارف. وبعد أن يتطهر العقل من هذه الأصنام يتجه إلى الاستعانة بالمنهج الاستقرائى الذى يستند إلى التجربة. أما ديكارت فقد أسس منهجاً جديداً يستند إلى التزام العقل بالأفكار الواضحة المتميزة، وإلى الشك فى كل المعارف الإنسانية باستثناء الشك نفسه.
ولما كان الشك تفكيراً فأنا أفكر، ولما كان التفكير وجوداً فأنا موجود. وهكذا انتهى ديكارت إلى حقيقة مؤكدة واضحة ومتميزة وهى «أنا أفكر إذن أنا موجود».
وهى تعنى أن الإنسان كائن مستقل ومحدد لذاته.
وجاء بعد بيكون وديكارت منظَرون لما انتهى إليه كل من هذين الفيلسوفين مع تباين وجهات النظر ابتداء من جون لوك حتى كانط. وهؤلاء جميعاً كانوا على وعى بالحداثة. بيد أن الحداثة لم تتصدر قضايا الفكر الفلسفى إلا فى نهاية القرن الثامن عشر حيث أثار هيجل قضية الحداثة على أنها قضية فلسفية.
ومن هذه الزاوية يمكن القول بأن هيجل هو أول فيلسوف يبلور مفهوماً واضحاً عن الحداثة. ولهذا ينبغى البداية بهذا الفيلسوف إذا أردنا فهم العلاقة الحميمة بين الحداثة والعلمانية، أو بالأدق فهم الحداثة برؤية علمانية.
فقد تصور هيجل أن مركزية الوعى الذاتى هى المحدد للتفلسف فى العصر الحديث، وأن هذا الوعى لا يخضع فى تطوره للصدفة، بل للقانون. يقول: لا بد منذ البداية أن يكون لدينا اعتقاد عقلانى بأن الصدفة لا تتحكم فى المسائل الإنسانية. فمهمة الفلسفة تكمن فى وعيها بأن ظهورها محكوم بالروح المطلق طالما أن هذا الظهور تاريخى وسبب ذلك مردود إلى العلاقة العضوية بين المطلق والتاريخ، استناداً إلى منطق جديد هو المنطق اليالكتيكى الذى يستند إلى مبدأ التناقض وليس إلى مبدأ عدم التناقض الذى كان أساسا منطق أرسطو. وفى ضوء هذا المعنى للحداثة تأسست جماعة من الفلاسفة المؤمنين برئاسة الفيلسوفين الفرنسيين- الفريد لوزى، وإدوارد لوروا- غايتها قبول تعاليم الكنيسة، أيا كان تأويلها الذى تفرضه، شريطة أن تنفصل الكنيسة عن الدولة، وينفصل الايمان عن العقل. بيد أن هذا اللون من الحداثة قد أدانه بعنف البابا بيوس العاشر فى عام 1907. وإثر هذه الإدانة أصيب المثقفون الكاثوليك بالهلع، وذاع تيار ينشد تجنب المجاهرة بفصل الكنيسة عن الدولة خشية أن يفضى إلى الاتهام بالهرطقة.
تقلا عن المصرى اليوم