بقلم: عادل جرجس
أصبح الهوس الإسلامي المتطرف بكل ما هو مسيحي ويتماس من قريب أو من بعيد مع الإسلام ظاهرة خطيرة تستوجب البحث والرصد، والأمثلة على ذلك كثيرة من روجية جارودي إلى قساوسة يزعم بين حين وآخر إعتناقهم للإسلام مرورًا بالرئيس الأمريكي أوباما الذي يتم الترويج له على أنه المجاهد الإسلامي الكبير الذي أعز الله به الإسلام المتخفي في صورة رئيس الشيطان الأكبر أمريكا، منتهجًا في ذلك فقه التقية حتى يفتح الله عليه بتمكين دولة الخلافة لتسود على العالم أجمع، ويصل بنا المطاف إلى الملا مايكل جاكسون والذي مات شهيدًا بعد حياة مليئة بالجهاد والذي خرج علينا البعض بالمطالبة بتغسيله وتكفينه حسب الشريعة الإسلامية وأن تُصلى عليه صلاة الغائب في كل البقاع الإسلامية ويشيع جثمانة في جنازة شرعية تليق بالفقيد ويدفن بمقابر المسلمين.
لقد بدأ هذا الهوس ينتشر إنتشارًا وبائيًا مرضيًا يمكن تعريفة بأنه "هيستريا النرجسية الإسلامية"، والنرجسية هي مرض حب الذات إلى حد المبالغة والتضخيم والورم غير الحميد، ومن علاماته:
* إعتقاد المريض بأنه وُجد ليدوّر العالم من حوله وإنه "خير أمة أخرجت للناس" بينما الواقع ينفي ذلك ويكذبه، وهو ما يؤدي إلى سوء حالة المريض.
* إحساس المريض بعقدة الإضطهاد، وأن العالم كله يتربص بنا لا لشيء سوى أننا مسلمون، وأن وقوعنا في دائرة التخلف ما هو إلا نتاج مؤامرة كونية تاريخية بدأت منذ الفتنة الكبرى ومستمرة حتى الآن وهو ما أدى إلى تخلفنا وتقدم الآخرين عنّا.
* أن التطور العلمي والبحثي الذي ساد الكون لم يكن في سياق تطور البشرية ولكنه كان تحالف بين العلم والمجتمعات الأوربية لمحاربة الإسلام، لكن حزب الله إن شاء الله هم الغالبون.
* إن السبيل إلى التقدم والخروج من المحنة والكبوة الظلامية التي يمر بها العالم الإسلامي ليس بمتابعة العلم ومنهجه العلمي والمساهمة في الكشف عنه وعن الإبداع العالمي إنما يكون ذلك بالعودة إلى السلف الصالح وكيف سلكوا فنصرهم الله وهم أذلة. ومن ثم يجب تقصير الجلاليب وإطلاق اللحى وتكفير المفكرين وتدعير الفنانين، فالسلف الصالح كونوا لنا أمة مقدسة لا تخطئ أبدًا.

إن هذه النرجسية تدفع إلى الهروب من الواقع بتضخيم الذات والعيش في حلم المدينه الإسلامية الفاضلة التي ستحرر بلاد المسلمين من هوانها وتخلفها ومن الإحتلال لكي تحتل هي بلاد الدنيا وتنهل من خيراتها وتسبى نسائها. وبين حلم السيادة والواقع بكل مرارته نستعيد أمجاد الأيام الخوالي ونعيش الخرافة ونتنفس الأسطورة باسترجاع بعض العلامات اليتيمة للحريات والعدل الإجتماعي من قبيل عدل عمر بن الخطاب ومجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن إلى آخر هذه العلامات التي تُعد على أصابع اليد الواحدة والتي لم تجد طريقًا لإصلاح الواقع حتى في زمانها.
ولقد تفشت النرجسية في وطننا حتى أصبحت مصر مستشفى "طالباني" كبير للأمراض النرجسية المتأسلمة تظهر تجلياته واضحة في منهج الإخوان المسلمين، وخاصة تصريحات مرشدهم عاكف الماليزي والذي يرى أن المسلم الماليزي أقرب له من القبطي المصري، وهو زعيم التنظيم العالمي للإخوان المسلمين ذلك التنظيم الذي يسعى إلى أن يرث الأرض ومن عليها قبل أن يرثها الله، وفي سبيل ذلك يتم الإستقواء بكل القوى العالمية التي يمكن أن تساعد الإخوان في سبيل تحقيق حلمهم النرجسي. ولأن الشيء بالشيء يُذكر فهنا سوف أقارن موقف الإسلاميين بالإستقواء بالخارج بموقف الأقباط، فعلى الرغم من التمييز الذي يتعرض له الأقباط منذ الفتح العربي لمصر إلا أنهم لم يحاولوا دعوة شركائهم في المسيحية في العالم واللذين يحكمون هذا العالم بالتحالف معهم لإقامة دولة قبطية، بل أن رأس الكنيسة المصرية قداسة البابا شنودة الثالث "شفاة الله وأعاده لنا موفور الصحة والعافية" قد هزأ من مثل هذا الإقتراح.
إن عجيب الأمر هو إحتفاء المتأسلمين بكل غريب عن الإسلام والدفع وراءه وتضخيمه مهما كانت تفاهة قيمته، فهل عقمت الأمة الإسلامية عن ولادة مفكرين وعلماء وباحثين وعباقرة يمكن لهم أن يخرجوا الأمة من كبوتها؟ بالطبع هناك الكثيرين من هؤلاء ولكن لا ولن يسمح لهم بالسيطرة على مقادير الأمور لأن جميع هؤلاء ينطلقون من منطلق ثابت واحد وهو رفض الدولة الإسلامية ومشروع الخلافة، وعاقبة هؤلاء دائمًا معروفة ومتوقعة وليس بعيدًا عن الأذهان فرج فودة ونصر حامد أبو زيد والأديب العالمي نجيب محفوظ.
وهنا يتوجب علينا البحث لحل لإخراج هذا الوطن من ظلاميته التي سوف تؤدي به إلى هوه متأسلمة تقضي عليه، وللوصول إلى حلول علينا بداية الوقوف على الأسباب التي أدت إلى وصول الحال إلى ما هو عليه الآن، وأنا أرى أن هناك سببين رئيسيين لتفشي النرجسية الجماعية المتأسلمة وهما:
* ضعف النظام الحاكم وتردي أوضاع مؤسسات الدولة والذي أدى إلى إحتكار أفراد للتحكم في تلك المؤسسات بدلاً من تحكم سياسات في إدارتها، حتى تم إختراق هؤلاء الأفراد إسلاميًا فأصبح النظام ومؤسساته يحكمون بالقانون شكلاً وبالشريعة مضمونًا، وأكبر دليل على ذلك حزمه الأحكام القضائية في الفترة الأخيرة والتي لم تستند في أحكامها إلى مواد القانون ولكن طبقت الشريعة بكل تفاصيلها والذي تطور بدوره حيث فعل القضاء إقامة الحدود في الفترة الأخيرة والمتمثل في سيل أحكام الإعدام في القضايا المختلفة والذي لم يشهدها القضاء المصري على مر تاريخه.
* التوسع في مفهوم ديمقراطية الأغلبية لإظهار مدى الديمقراطية التي تمارسها الدولة مع مواطنيها وهو المفهوم الخاطئ للديمقراطية، فالديمقراطية هي حكم الشعب كل الشعب أغلبية وأقلية، فالأغلبية تحكم شريطة ضمان حقوق الأقلية وعدم إمتهانها أو النيل من مكتسباتها السياسية وللأسف فإن الديمقراطية في مصر هي حكم الأغلبية الدينية وليس السياسية، وهو ما أدى إلى توقف حقوق الأقلية على ما يتم منحه من هذه الأغلبية الذي أدى إلى تقويض النظام الديمقراطي في مصر فتحول إلى نظام ديكتاتورية الأغلبية.

وهكذا نجد أن الحلول التي تطرح نفسها تتحرك على ثلاث محاور وهي:
* العمل على إقامة نظام حكم قوى سياسيًا ودستوريًا من خلال التداول الحقيقي للسلطة وضمان حقوق الأقليات في التفاعل داخل هذا التداول حتى يخرج النظام قويًا تدفع وراءه كل فئات المجتمع عن رضا وعن قناعة وليس عن إذعان.
* تخليص مؤسسات الدولة من الصبغة الإسلامية التي أصبحت تفعل كل آليات هذة المؤسسات.
* الكف عن مسلك ديمقراطية الأغلبية والتحول إلى ديمقراطية حقوق الأقلية فهذا لن يمنع الأغلبية من الحكم ولكن سوف تكون هذه الأغلبية مقيدة بحقوق الأقليات داخل المجتمع ليقضى ذلك على المسلك الديكتاتوري لتلك الأغلبية.