سحر الجعارة
الأسماء الواردة فى هذا المقال لها وزنها وثقلها لأنها تتحكم فى توجهات المجتمع، سواء بحكم «المنصب الرفيع»، أو بحكم «النجومية والشهرة».. ولها «سطوة روحية» على البشر، وفتاواها لا يجوز للعامة مناقشتها.. وحتى النخبة قد يرميها البعض بالجهل أو بالتدخل الأحمق فى تخصص «علماء الدين».. وهو تخصص اكتسب درجة ما من «التقديس»!.
فجأة انتشر، على مواقع التواصل الاجتماعى، فيديو للداعية الشهير «خالد الجندى»، وهو عالم أزهرى، يتحدث فيه عن دعوات المطالبة بـ«قانون» يحظر النقاب الآن، ملمحًا إلى أنها تتعارض مع المرحلة التى تمر بها البلاد من «تنمية وبناء»، وكأنها مؤامرة خارجية على البلاد وليست مطلبا لحماية الأمن القومى!.
ثم يقول «الجندى» إن النقاب ليس «افتكاسة»، بل هو فى صميم الدين، ويضيف: (عشان كده لما تلاقى شيخ «لا مؤاخذة»، أو داعية «لا مؤاخذة» ويقول إن النقاب ليس من الدين لازم تضرب كفًا بكف، لأنه لا قرأ كتاب فقه ولا سيرة ولا أحكام قرآن).
ثم يقرر الشيخ «خالد» أن البعض قالوا إن النقاب «فريضة»، والبعض الآخر قال إنه «واجب»، أى مندوب، أما الفريق الثالث فقال إنه «مباح».. سنتوقف هنا لنستمع إلى فضيلة الإمام الأكبر الدكتور «أحمد الطيب»، الذى قال جازمًا، فى حوار مع الدكتور «محمد سعيد محفوظ»: (النقاب ليس فرضًا ولا سُنة وليس مستحبا، بل هو أمر مباح).. ويضيف الإمام الأكبر، مع إشارة، محذرا بإصبعه «بلغة الجسد»: (ولكن التى تلبسه لا تقول إننى ألبسه شرعًا، إنه كمن تلبس خاتمًا أو تخلعه، أى يدخل فى باب «الزينة».. فهو ليس به أمر ولا نهى ولا يتعلق به ثواب ولا عقاب).
نعود إلى الشيخ «الجندى»، الذى صنف النقاب باعتباره (فريضة أو مندوبا، أى مستحب، أو مباح ووقف فى خانة المباح).. أليس هذا تناقضا صارخا مع رأى قمة «المؤسسة الدينية الرسمية»؟.. ألا يقحم بذلك «النقاب» فى الدين رغم أن الإمام الأكبر صنفه فى باب «الزينة»!!.. ألا يعد هذا افتئاتا على الفقهاء، بل وعلى الإسلام نفسه؟.
ثم يبدأ العالم الأزهرى وصلة التهكم والسخرية بأن هناك من قال إن النقاب «عادة يهودية» رغم أنه فى رأيه عادة صحابية.. وحتى لا نتخبط معه ارجع لقول فضيلة الإمام الأكبر أنه: (إذا طلب رب العمل من منتقبة أن تخلع الحجاب يجب عليها أن تخلع الحجاب، ورب العمل لا يلام إطلاقا.. و«الذى يريبنى» كثيرا أن مدرسة فى فصل بنات تجد البنات منتقبات، وهى منتقبة، لما تفعل هذا؟.. ربما كان خلف هذا شركات تصنع وتروّج وتبيع النقاب.. هناك سبب لابد من هذا الاهتمام غير العادى بنشر النقاب).
إذا كان شيخ الأزهر يبيح خلع النقاب لضرورات المهنة، بعد أن أصبح منتشرا بين المدرسات والممرضات والطبيبات، وكلها مهن حساسة تؤتمن فيها المنتقبة على عقل وروح أو جسد البشر، فالأدعى أن تنظم الدولة مسألة ارتداء النقاب داخل المؤسسات الرسمية بـ«قانون»، كما يطالب تيار الاستنارة ودعاة الدولة المدنية، وأنا منهم.. لكن يبدو أننا فى كلتا الحالتين أمام «مؤامرة»، سواء طالبت بحظره أو سمحت بخلعه!.
لقد وجد الشيخ «خالد» فى قضية النقاب مادة للفكاهة، فقال إن («كاتبة علمانية» تقول إن المايوه والشورت حرية شخصية إنما النقاب لا).. مضيفا: «إننا دخلنا فى المرحلة الاستهبالية فى موضوع النقاب».. لكن فى «المرحلة الاستهبالية» لا توجد حرية شخصية أمام استخدام النقاب فى: (خطف الأطفال والأعمال الإرهابية من التخفى إلى نقل الأسلحة إلى العمليات الانتحارية، وكلها وقائع موثقة).. وأصلا 90% من المجتمع «المتشدد بطبعه» يرفض المايوه، ولن تجده إلا فى بلاجات الصفوة.. وإن شئت المقارنة فلنقارن المايوه بـ«البوركينى»، وهو «زى البحر الإسلامى».
«لا مؤاخذة» يا شيخ «خالد» إذا اعتبرت أن «البوركينى» طريق إلى الانحلال، فأنت تدين كل محجبات مصر.. وعليك تصميم زى آخر للسباحة لهن.. مثلما يجب عليك أن تنصت جيدا وتعى كلمات شيخ الأزهر حتى لا تقع فى دائرة «الريبة» التى تحدث عنها.. وحتى لا تحدث «فتنة النقاب»!.
نقلا عن المصرى اليوم