خالد منتصر
مشهد دلق جرادل البوية الملونة على جذوع أشجار بورفؤاد استعداداً لاستقبال الوزراء هو مشهد صادم ومُؤذٍ للعيون، وأولها عيون الوزراء أنفسهم.
إذا كان المجلس المحلى يعتبر هذا التلوين المثير للغثيان تجميلاً للمدينة، فهذا ليس تجميلاً لكنه تقبيح وتدمير وتشويه وتخريب، والمدهش والغريب أن هذا المنظر بات يتكرر فى كل المدن والمحافظات، ما إن تنادى المسئولين نداهة التجميل وتخرج الميزانية ببند إضفاء طابع الجمال على المحافظة، سرعان ما تجد فى الشوارع عمالاً يحمل كل منهم جردلاً صدئاً وفرشاة صلعاء وألواناً كالحة، وبكل همه ونشاط يبدأ بأعمال النقاشة على جذوع الأشجار، يُلبسها أردية المهرجين، تحس فجأة أنك قد دخلت سيركاً انطلق فيه البهلوانات يتشقلبون بين صفوف الجماهير بلا ضابط أو رابط، عملية خنق منظمة مع سبق الإصرار والترصد لأشجار كانت تتنفس فقرر المسئولون إدخالها العناية المركزة مع سحب أسطوانات الأكسجين وشد الخراطيم وكتم الأنفاس.
لماذا صرنا متآلفين مع القبح، مخاصمين للجمال؟
هذا الجير الذى يُدلق بفوضوية وحماقة على جذوع الأشجار التى تضفى بألوان جذوعها الطبيعية بهجة وحياة على الشوارع والطرق، وتطبطب على الأرواح والقلوب، هذا الجير هو طعنة للذوق، هناك انسجام بصرى يتم كسره وبعثرته لصالح قبح يصبغ الفضاء العام، هناك عين لا يتم تدريبها على تذوق الجمال فيصبح من الطبيعى أن تتصالح مع الفجاجة والدمامة، ترى أطنان القمامة فلا تُصدم وتقول «عادى» وتمر عليها بمنتهى السلام والطمأنينة، تتطور العين بعد ذلك لتتصالح مع مشهد الدم والضرب والاغتصاب، فهى عين قد صارت بلا بوصلة جمالية، ترى الأشجار أمامها تُعامَل كالمطاريد والمجرمين، ترى عنفاً فى التعامل معها، وقطعاً لها وكأن بين المجالس المحلية والأشجار ثأراً وضغينة.
القضية ليست فى تعيين أكاديميين فى علم الجمال فى البلدية، ولا الاستعانة بفنان تشكيلى فى اللجان المنبثقة، لكن فى تعليم الطفل فضيلة الفن والجمال والذوق، فتصبح لعدسات عينه مناعة ضد القبح، يصبح الفرد مخاصماً للعشوائية والفوضى والقذارة والزبالة... إلخ، التناسق المعمارى، تماثيل الميادين ومجسماتها التى تنتمى لأزميل مختار وآدم حنين والسجينى، وتلاميذهم من الشباب الذين نرى أعمالهم على الفيس بوك بينما هم منبوذون فى الشوارع والميادين، تماثيلهم وأعمالهم الفنية مخزنة كمشاريع تخرج فى مخازن كليات الفنون!!
متى يصبح تذوق الجمال فريضة؟
لا تتعللوا بضيق ذات اليد والميزانيات الضئيلة، فالجمال لا يحتاج ثروات بالملايين، فالزهور فى شرفتك تتكلف ملاليم، تناسق ألوان ملابسك وبيتك وأثاثك ليس معادلة كيمياء أو لوغاريتمات، كل المطلوب منك لشجرة أن ترويها وتتركها فى حالها وتنسق أغصانها عندما تطلب التهذيب والتشذيب، وهى حتماً ستتنفس جمالاً وفرحاً وألقاً سينعكس على سلامك النفسى، فراحة القلب والعقل تبدأ مع راحة العين.
نقلا عن الوطن