في أواخر السبعينيّات، ظهر الشاب فاروق الفيشاوي داخل مسلسل «طيور بلا أجنحة»، كان «الفيشاوي» حينها شابًا «يطير بلا أجنحة»، وهكذا ظلّ طوال حياته يغرّد دون توقف، حتى عندما أصابهُ المرض اللعين قبل 10 أشهر، فاجأ «الفيشاوي» جمهوره، أثناء استلامه لتكريمه في مهرجان الإسكندرية السينمائي، بإصابته بمرض السرطان، مؤكدًا أنه سينتصر عليه ويعود المرة القادمة لنفس المهرجان، ويطمئن الجميع.
ولد محمد فاروق فهيم الفيشاوي في فبراير 1952، داخل إحدى قرى المنوفية، لأسرة ميسورة الحال، لكن الرياح لا تسير كما تشتهي السفن دائمًا، فتوفى والد «الفيشاوي» عندما كان صغيرًا، وتولى شقيقه الأكبر «رشاد» رعايته، واعتنى به إلى أنْ حصل «الفيشاوي» على بكالوريوس الطب العام.
شارك «الفيشاوي» في بداياته في مسلسل «أبنائي الأعزاء شكرًا»، ثم بدأت نجوميته في أوائل الثمانينيات في فيلم «المشبوه» مع عادل إمام، وسار بعدها في مشوار فني طويل، ومن أهم أعماله التليفزيونية، «حافة الهاوية»، «مخلوق اسمه المرأة»، «حضرات السادة الكدابين»، «أولاد آدم»، «غوايش»، «عصفور في القفص»، و«أبناء العطش».
تزوج «الفيشاوي» من الفنانة سمية الألفي وأنجبا أحمد الفيشاوي وعمر الفيشاوي، ثم تزوج من الفنانة سهير رمزي، وكانت آخر زيجاته من خارج الوسط الفني.
ظلّ «الفيشاوي» طائرًا بلا أجنحة طوال حياته، ففي عام 1987، اعترف «الفيشاوي» بأنه «مدمن للهيروين»، بل وصارح الجمهور بتفاصيل رحلة إدمانه وشفائه، خلال حوار صحفي طلب بنفسه أن يجريه مع الكاتب الصحفي صلاح منتصر عبّر مجلة «أكتوبر»، ليتحدث فيه عن التجربة الصعبة وينقلها للجمهور كي يحذر من خطورة الإدمان ويحمى الشباب من هذا الشبح، وجاء الاعتراف تحت عنوان «كنُت عبدًا للهيروين».
لم يخجل «الفيشاوي» مما حدث، لكنه أظهر شجاعة يُحسَد عليها، كما اعترف بدور زوجته الفنانة سمية الألفي، إذ اعتبر اعترافه بما حدث «تجربة أراد أن يضعها أمام كل شاب حتى يحميه من هذا الشبح».
كان يؤمن «الفيشاوي» بأن الفنان هو «ضمير الأمة»، إذ قال في حوار سابق لـ«المصري اليوم»: «يجب أن يكون الفنان مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بكل ما يهم وطنه، ومنها السياسة، لأنه شاء أم رفض يتأثر ويؤثر في السياسة كونه القوى الاجتماعية الناعمة في أي محفل ثقافي أو اقتصادى أو سياسى أيضًا، وأنا شخصيًا لدىّ آرائى الشخصية المعروفة والمعلنة».
تحدّث «الفيشاوي» عن أحلامه قبل وفاته، وقال إن من أحلامه السينمائية أن أقدم فيلما عن المطران «كابوتشي» وهو قس سوري كان سفيرًا للفاتيكان في القدس، وذلك بعد أن شاهدت فيلم «شندلر ليست»، الذي قدم معلومات مغلوطة عن العرب، ومنذ ذلك الوقت وأنا شغوف بان أقدم فيلما عربيا يرد على الدعاية الصهيونية التي تتهم العرب وتقول إننا إرهابيون.
وأضاف: «طبيعي أن يكون للفنان موقف مما يحدث لشعبه ووطنه، وضروري أن يتميز بنوع من الحكمة عندما يتخذ موقفا سياسيا لكن أهم ما فيه أن يكون لصالح الناس والمواطن والشعب المصري».
وبعد إعلانه إصابته بالسرطان، قال «الفيشاوي» بنفس طيبة: «أريد أن أقول لهم لا تستمعوا للإعلانات الغريبة التي تروج لأن من يصاب بهذا المرض سيموت، لان أصحاب تلك الإعلانات أغبياء، ولا يساعدون المرضى بل يحبطونهم ولابد أن يمدوا المصابين بالأمل بان هناك علاجا وان كل المصابين بهذا المرض سيشفون منه بإذن الله».
لم يمُت «الفيشاوي»، وكان محقًا، فأصبح الآن «طائرًا بلا أجنحة» أو «كناريا» كما كان طوال حياته.