محمود العلايلي
تتمتع أغلب دول العالم بما يسمى يوما وطنيا أو عيدا قوميا، يتم الاحتفال به بشكل رسمى، وفى بعض الدول يتم الاحتفال بشكل شعبى سواء عن طريق إقامة الكرنفالات العامة والاحتفالات الصاخبة الخاصة.
ويتميز الحال فى مصر بأن لدينا أكثر من يوم وطنى وأكثر من عيد قومى على أسس تاريخية معاصرة، فقد ظل المصريون على مدى ثلاثين عاما من 1922 إلى 1952 يحتفلون بعيد الجهاد الذى يحل يوم 18 نوفمبر 1918، إلا أنه ظل وإلى الآن تاريخا ينسب لحزب الوفد والوفديين، فجاء بعده 23 يوليو كيوم فى غاية الأهمية منذ عام 1952 إلى الآن ويتم الاحتفال به سنويا، وإن تباينت صور الاهتمام به بحسب رغبة الحاكم فى التقرب أو التنصل من شخص عبدالناصر وفترة حكمه، وبالرغم من إشادة العديدين بهذه المرحلة وبالحركة العسكرية ونتائجها، فيظل هناك الكثيرون الذين يرون أن 23 يوليو أدت إلى طمس الهوية المصرية لصالح ما يسمى بالقومية العربية والأمة الإسلامية، بالإضافة إلى تدمير الحياة السياسية لصالح نظام سلطوى شمولى مما أدى إلى الانتكاسة الاقتصادية وسلسلة الهزائم العسكرية، ولم يجمل صورتها إلا الانتصارات الصوتية، والنفوذ الإعلامى وميراث فنى ثرى من الأغانى والأفلام الوطنية الموجهة.
أما اليوم الثانى الذى يتم الاحتفال به فهو 18 يونيو 1956 والذى تم تسميته بعيد الجلاء بمناسبة خروج آخر جندى بريطانى من مصر، وتلاه عيد النصر 23 ديسمبر1956 بداعى الانتصار على قوات العدوان الثلاثى فى بورسعيد، وهما المناسبتان اللتان ذابتا تحت سطوة 23 يوليو وتسليط كل الضوء والاهتمام بها.
ولم تقف سلسلة الأعياد عند هذا الحد، ولكن جاء السادس من أكتوبر كيوم من الأيام الفاصلة فى التاريخ المصرى الحديث، حيث كانت أول معركة ينتصر فيها المصريون على الإسرائيليين، ودارت على مدى السنين معركة خفية بين أنصار الإعلاء من شأن أكتوبر على حساب يوليو أو العكس، وهو ما استمر على مر سنوات حكم مبارك الطويلة، من توصيل رسائل مطوية عن توجهاته الشعبية والسياسية بمداعبة وتر يوليو حينا، أو خفض الإيقاع والتركيز على أكتوبر أحيانا أخرى.
وبعد ثلاثين عاما من الركود السياسى والاجتماعى، جاء يوم 25 يناير 2011 ليعلن ثورة المواطنين المصريين على الحكم السلطوى الشمولى المستمر من يوليو 1952 وليس على حكم مبارك فقط، وبالرغم من تأثير هذا اليوم فإنه لم يحظ بإجماع أبدا على أهدافه أو توجهات القائمين به، وتم وضع أغلب شباب المرحلة فى دوائر التوجس حتى بعض الشرفاء منهم، وخاصة بعد ركوب الإخوان المسلمين والسلفيين للثورة وسيطرتهم على مقدرات البلاد بدعوات إسلامية خادعة، وبدعم خارجى لا يمكن إنكاره، فخرج بذلك يوم 25 يناير من سباق احتسابه يوما قوميا أو عيدا وطنيا، ولكن مع توالى الأحداث وتولى الإخوان حكم مصر فى آخر يونيو 2012 ومحاولتهم المكشوفة جعل الجماعة فوق شرعية الدولة ومؤسساتها، ومعاملة المصريين غير المنتمين للجماعة كمواطنين من درجة أدنى، فقام المصريون بثورة تعد من أكبر الثورات عددا للتخلص من حكم الفاشية الدينية العنصرى فى الثلاثين من يونيو 2013 وتم التخلص من حكم الإخوان المسلمين، ولكن حتى الآن لم يحتسب هذا اليوم العيد القومى لمصر، إما لرسوخ الأيام الأخرى فى الذهنية المصرية المعاصرة، وإما لعدم رغبة الإدارة السياسية فى تجاوز التواريخ السابقة لاستخدامها سياسيا عند الحاجة، أو كما يطلق بعض المعلقين أن الإخوان المسلمين ليسوا بالخصم الكبير الذى يستتبع التخلص منه احتساب ذلك اليوم عيدا قوميا.
إن مصر تحتاج إعلان يوم قومى بتوافق عام، يعلى من شأن الهوية المصرية الخالصة، دون أى حسابات سياسية مرحلية، أو الوقوع فى شرك أى ابتزازات دينية أو عرقية، فقط يوم كل ما يوصف به أنه مصرى.
نقلا عن المصرى اليوم