في مثل هذا اليوم 26 يوليو 1987م..
سامح جميل
توفيق الحكيم ( 9 أكتوبر 1898م - 26 يوليو 1987)،
ولد توفيق إسماعيل الحكيم بالإسكندرية عام 1897 لأب مصري من أصل ريفي يعمل في سلك القضاء في قرية الدلنجات إحدى قرى مركز ايتاي البارود بمحافظة البحيرة وكان يعد من أثرياء الفلاحين ولأم تركية أرستقراطية كانت ابنة لأحد الضباط الأتراك المتقاعدين لكنَ هناك من يقدم تاريخاً آخر لولادته وذلك حسب ما أورده الدكتور إسماعيل أدهم والدكتور إبراهيم ناجي في دراستهما عن الحكيم حيث أرَّخا تاريخ مولده عام 1903 بضاحية الرمل في مدينة الإسكندرية.
مزج توفيق الحكيم بين الرمزية والواقعية علي نحو فريد يتميز بالخيال والعمق دون تعقيد أو غموض وأصبح هذا الاتجاه هو الذي يكون مسرحيات الحكيم بذلك المزاج الخاص والأسلوب المتميز الذي عرف به ويتميز الرمز في أدب توفيق الحكيم بالوضوح وعدم المبالغة في الإغلاق أو الإغراق في الغموض ففي أسطورة إيزيس التي استوحاها من كتاب الموتى فإن أشلاء أوزوريس الحية في الأسطورة هي مصر المتقطعة الأوصال التي تنتظر من يوحدها ويجمع أبناءها علي هدف واحد وعودة الروح هي الشرارة التي أوقدتها الثورة المصرية وهو في هذه القصة يعمد إلي دمج تاريخ حياته في الطفولة والصبا بتاريخ مصر فيجمع بين الواقعية والرمزية معا على نحو جديد وتتجلي مقدرة الحكيم الفنية في قدرته الفائقة على الإبداع وابتكار الشخصيات وتوظيف الأسطورة والتاريخ على نحو يتميز بالبراعة والإتقان ويكشف عن مهارة تمرس وحسن اختيار للقالب الفني الذي يصب فيه إبداعه سواء في القصة أو المسرحية بالإضافة إلي تنوع مستويات الحوار لديه بما يناسب كل شخصية من شخصياته ويتفق مع مستواها الفكري والاجتماعي وهو ما يشهد بتمكنه ووعيه.
يمتاز أسلوب توفيق الحكيم بالدقة والتكثيف الشديد وحشد المعاني والدلالات والقدرة الفائقة علي التصوير فهو يصف في جمل قليلة ما قد لا يبلغه غيره في صفحات طوال سواء كان ذلك في رواياته أو مسرحياته ويعتني الحكيم عناية فائقة بدقة تصوير المشاهد وحيوية تجسيد الحركة ووصف الجوانب الشعورية والانفعالات النفسية بعمق وإيحاء شديدين..
أنزله جمال عبد الناصر منزلة الأب الروحي لثورة 23 يوليو، بسبب عودة الروح التي أصدرها الحكيم عام 1933، ومهّد بها لظهور البطل المنتظر الذي سيحيي الأمة من رقادها. ومنحه جمال عبد الناصر عام 1958 قلادة الجمهورية، وحصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1960، ووسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى في نفس العام. ولم يذكر أن عبد الناصر منع أي عمل لتوفيق الحكيم، حتى عندما أصدر السلطان الحائر بين السيف والقانون في عام 1959، وبنك القلق عام 1966، حيث انتقد النظام الناصري ودافع عن الديمقراطية. ووصل الأمر أن عبد الناصر كان بستقبل الحكيم في أي وقت وبغير تحديد لموعد. وهو ما أكده الحكيم نفسه في جريدة الأهرام في 15 مارس 1965. بعد وفاة عبد الناصر عام 1970 وأثناء تأبين الزعيم سقط توفيق الحكيم مغمى عليه وهو يحاول تأبينه وبعد أن أفاق قال خطبة طويلة من ضمنها:
توفيق الحكيم اعذرني يا جمال. القلم يرتعش في يدي. ليس من عادتي الكتابة والألم يلجم العقل ويذهل الفكر. لن أستطيع الإطالة، لقد دخل الحزن كل بيت تفجعا عليك. لأن كل بيت فيه قطعة منك. لأن كل فرد قد وضع من قلبه لبنة في صرح بنائك توفيق الحكيم
إلا أن الحكيم في عام 1972 أصدر كتاب عودة الوعي مهاجما فيه جمال عبد الناصر بعنف. ترتبت على عودة الوعي ضجة إعلامية، حيث اختزل الحكيم موقفه من التجربة الناصرية التي بدأت كما ذكر: يوم الأربعاء 23 يوليو 1952 حتى يوم الأحد 23 يوليو 1973، واصفا هذه المرحلة بأنها كانت مرحلة عاش فيها الشعب المصري فاقد الوعي، مرحلة لم تسمح بظهور رأي في العلن مخالف لرأي الزعيم المعبود. وأعلن في كتابه أنه أخطأ بمسيرته خلف الثورة بدون وعي قائلا:
توفيق الحكيم العجيب أن شخصا مثلي محسوب على البلد هو من أهل الفكر قد أدركته الثورة وهو في كهولته يمكن أن ينساق أيضا خلف الحماس العاطفي، ولا يخطر لي أن أفكر في حقيقة هذه الصورة التي كانت تصنع لنا، كانت الثقة فيما يبدو قد شلت التفكير سحرونا ببريق آمال كنا نتطلع إليها من زمن بعيد، وأسكرونا بخمرة مكاسب وأمجاد، فسكرنا حتى غاب عنا الوعي. أن يري ذلك ويسمعه وأن لا يتأثر كثيرا بما رأي وسمع ويظل علي شعوره الطيب نحو عبد الناصر.
أهو فقدان الوعي. أهي حالة غريبة من التخدير. توفيق الحكيم
في فبراير 1972م كتب بيده بيان المثقفين المؤيدين لحركة الطلاب، ووقّعه معه وقتذاك نجيب محفوظ. وساءت بعدها علاقة الحكيم مع محمد أنور السادات حيث قال السادات وقتذاك "رجل عجوز استبد به الخرف، يكتب بقلم يقطر بالحقد الأسود، إنها محنة أن رجل رفعته مصر لمكانته الأدبية إلى مستوى القمة ينحدر إلى الحضيض في أواخر عمره". حاول بعدها محمد حسنين هيكل جمع الحكيم مع السادات ونجح بذلك بعد حريق مبنى الأوبرا..!!