الأقباط متحدون | هِبَةُ الحَيَاةِ المُقَدَّسَةِ
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٤:٣٩ | السبت ٣ ديسمبر ٢٠١١ | ٢٢ هاتور ١٧٢٨ ش | العدد ٢٥٩٧ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

هِبَةُ الحَيَاةِ المُقَدَّسَةِ

السبت ٣ ديسمبر ٢٠١١ - ٢٢: ٠٣ م +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم:القمص أثناسيوس فهمي جرج

 (رِسَالَةُ تَشْجِيعٍ)
الحياة هبة مقدسة منحها الله للبشر الذين عليهم أن يتلقفوها ويكرموها ويقدمونها مجددًا إليه تعبيرًا عن فرادتهم كخليقة حية. أعطانا الله العقل لنكون شركاء اللوغوس (عاقلين) نحيا حياة إلهية. فمِن الله خالقنا وفادينا أخذنا أصلنا، أصل حياتنا، نحن جبلته وصنيعة يديه وهو العامل فينا أن نريد وأن نعمل من أجل المسرة، نعترف بنعمته وجُوده وإحسانه ونتجاوب مع عمله الإلهي معنا، نقرّ بنعمة الشفاء الخلاصي التي نلناها، نامين في الفضيلة والجهاد حتى لا نكون قد أخذنا النعمة عبثًا، بل نكون من الذين تاجروا بالوزنات واستثمروا النعمة التي أخذوها.


استجابتنا ونموّنا ينبعان أساسًا من المبادرة الإلهية، لأن الله خلقنا وميّزنا بالحرية والعقل والإنجاز. إنه أحبنا أولاً، أحبنا فضلاً، أحبنا ونحن خطاة، إنه يظل معنا لا يتركنا ولا يهملنا ولا يتخلىَ عنا ولا يُقصينا بعيدًا، وعدم أمانتنا لا يُبطل أمانته... إنه أبو الرأفة والمراحم، إنه فينا رجاء المجد، إنه يحل في قلوبنا بالإيمان، ومَن يُقبل إليه لا يُخرجه خارجًا، إنه لا يشاء موت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا.


إرادتنا هي قلع المركب التي تحركها الريح، المحرك لمركب حياتنا، إمّا إلى بَر الأمان للمسيح ميناء الخلاص للذين في العاصف، وإما للهلاك بعيدًا، لأننا نُبحر في بحر هذا العالم المتلاطم وفقًا لإرادتنا الحرة كما بواسطة الريح، وكل واحد يوجِّه مساره حسبما يريد، إمّا أن يكون تحت إرشاد الكلمة ويقبل نعمة الخلاص ويتجاوب معها ويجاهد قانونيًا فيدخل إلى الراحة والنعيم الأبدي، أو أن تتحطم سفينته ويهلك في العاصف. إرادتنا حُرة في اختيارها وفي قبولها للتناغم والانسجام والتجاوب مع نعمة الكلمة. فالذين يذهبون إلى الملكوت هم الذين سعوا لذلك، والذين ينحدرون للجحيم هم الذين تقسّوا وازدروا.


الله يشترك في العمل مع عبيده في كل عمل صالح، نعمته تؤازرنا وتعين ضعفنا وتكمل نقائصنا وتقودنا في مسيرة حياتنا وتسند كل عمل خير فينا، فعندما نصنع الخير ونتقدم إلى ما هو قدام، هذا ليس من أنفسنا، بل من الله صانع الخيرات الإله المحب الوحيد الحكيم. عندما نصير متمثلين به، إله معونتنا وناصرنا وملجأنا وحياتنا الأبدية معًا، به نصنع ببأس (مز ١٢:٦٠) وبه ندوس أعداءنا (مز ٥:٤٤) الخفيين والظاهرين.


أعطانا نعمة الحياة والخلود وأوصانا أن لا نفشل لأننا رُحِمنا... أعمالنا به معمولة، فمنه وبه وله كل الأشياء قد خُلقت... إرادته قداستنا وسلامنا وخيرنا، وهو عينه المتكلم فينا بروحه القدوس، فلا يقدر أحد من معاندينا أو مقاومينا أن يُخيفونا، ولا سلطان لأحد على أرواحنا، لأنه قد وهبنا جدّة الحياة وروح النصرة والغلبة حتى لا نفشل... لسنا هالكين ولا خائرين ولا مهزومين ولا مأزومين لأن رجاءنا فيه لا يخزَى، ولأن انتصارنا يعظم بفصحنا الذي أحبنا وفدانا، ويقودنا كل حين في موكب نصرته، والضامن لعهد أفضل.


إنه أنعم علينا بالحياة واتخذ شكل العبد لأجلنا، وجعلنا بنين وورثة ورعية مع القديسين وأهل بيت الله، لا عبد ولا سيد، بل الجميع حُر في المسيح الكل وفي الكل... وضع علينا ختمه بشكل واحد للجميع، وأعطانا الوديعة الصالحة (وديعة الإيمان) لنحيا ونعمل ونوجَد ونتاجر بالوزنات ولا نطمرها... ونعمل بحسب معطيات المواهب ووسم المِسحة والأسرار الموهوبة لنا، بعيدًا عن الفراغ واللامعنى في حوار بنّاء مع الإعلان الإلهي وقبول البشارة المفرحة القادرة أن تحرر كياننا وتطلق أنفاسنا لنستنشق هواء الأبدية وحياتها، فلا نرتاع أو نخور أو نرتدّ.


لقد أتى بنا الله من العدم إلى الوجود وأعطانا نعمة الخلقة وأعاد خلقتنا بخلاصه لنتبعه ونقتني بهجة وسلامًا وعزاءًا وصبرًا وفهمًا ودالة، ونتزيّن بالفضيلة... لذا كل من يدرك قيمة نعمة الحياة الفائقة لا تأتيه أفكار الابتآس والفراغ والانتحار واللامعنى، تلك التي يقع فيها الهالكون!!! بل يتزين بالمعرفة الصافية ويلجأ بنفسه إلى الله فيستريح، فكلما نحمي نفوسنا بالضمانات الروحية وبوسائط النعمة ونُعدّ قلوبنا بالتجليات الروحية العالية، نصير أرضًا مُفلَّحة ببذار الزارع الإلهي، ونستقبل ندَى النعمة ومطر الروح ونستدفئ بأشعة شمس حياة البر ونتذوق كم أن ربنا صالح للذين يطلبونه وطيِّبٌ للذين يتوقعون بسكون خلاصه.


إن عالم اليوم الحاضر الذي يؤمن بالتكنولوچيا إيمانًا أعمىً، هذا العالم الذي يُعاني من الشجار والتلوث الذهني والفكري والروحي، هذا العالم المادي الطاغي الذي وُضع في الشرير، أصبح مستقبله مجرد تكرار مُملّ وهابط للماضي... كرَّس الانعزالية والفردية وضحّل قيمة حياة وروح الإنسان، فتزايدت أعداد البائسين واليائسين بل والمنتحرين، وسط ضجيج الأفكار والمخاوف المتخبطة، يجعلنا بالأحرَى أن نتمسك بوعود رجائنا، ونرفع أفكارنا ونتأمل نعمة الحياة الكائنة فينا، لأننا هيكله وروحه يسكن فينا (١ كو ١٦:٣)، لنا كرامة الإنسان الجديد الذي تقدس وتأصّل بالنعمة، والذي يحيا بكل كيانه الداخلي في الحضرة الإلهية، فيتصور فينا المسيح، ونكون به أعظم من منتصرين، ونُحلِّق على أجنحة النسور، وترتسم في نفوسنا صورة بهاء البر والقداسة، فتتغير أجسادنا وأرواحنا وقلوبنا وعقولنا وأفهامنا ونياتنا بالقوة التقديسية التي تنبثق من عند الآب لتكملنا جميعًا وترسم طبيعتنا بالتمام على جمال الأصل.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :