مر عام على تلك الجريمة التى وقعت داخل أسوار دير أبومقار الأثرى بوادى النطرون، وكان ضحيتها الأنبا إبيفانيوس، رئيس الدير، الذى غدر به راهبان حُكم عليهما بالإعدام، فعلا بأسقفهما كما فعل «يهوذا» بـ«المسيح»، وكانت النتيجة «دماء».
دماء «المسيح على الصليب» علّمت العالم بحسب الاعتقاد المسيحي معنى «الفداء»، ودماء الأسقف «فى بيت الرب»، كانت الباعث على الإسراع بإجراءات الإصلاح داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية التى استيقظت على العديد من الشوائب والأخطاء التي كان لابد لها من حسم لتعود مؤسساتها للعمل بطريقة صحيحة كما كانت.
لم يكن لدى البابا تواضروس الثانى الوقت للوقوف والحزن أمام فاجعة مقتل الأسقف الذى كان باكورة رساماته الأسقفية عقب توليه الكرسى البابوى، فتسارعت خطواته من أجل تصحيح المسار وضبط «برارى النساك»، فكانت القرارات المجمعية المتتالية بعد الحادث.
خلال 365 يوماً استطاعت الدماء أن تغير فى الكنيسة ما لم تستطع الطرق التقليدية تغييره طوال عقود طويلة، فعمل البابا على تغيير كافة المناصب الإدارية داخل الكنيسة، وكان منها مقررو لجان المجمع المقدس، واستمرت حركته الدؤوبة على تطوير التعليم الكنسى حتى وإن علت أصوات من يريدون لعجلة الإصلاح أن تتوقف.
أما «إبيفانيوس» الراهب الزاهد الذى باع الدنيا ليشترى خلاصه ملتصقاً بجدران «أبومقار» ومتعلقاً بتلابيب «متى المسكين» ومكرساً حياته للقراءة والتعليم، فقد كان قدره أن يظل بعد وفاته كـ«قارورة طيب» يفوح عطرها فى الأرجاء، لتصبح صورته «أيقونة» على جدران الكنيسة تؤرخ لعصرين، ما قبل وفاته وما بعده.