فى طريق الزاهدين، سار «تادرس زكى تادرس»، بحثاً عن الخلاص الذى لم يجده إلا فى برارى وادى النطرون، فطرق باب دير أبومقار فى 17 فبراير 1984، بعد أن حصل على بكالوريوس الطب، ليُسيّم راهباً بـ«إبيفانيوس المقارى»، كما أُطلق عليه «الأب الروحى» للدير «متى المسكين»، فى 21 أبريل من العام نفسه.

 
فى الدير، تخلى «إبيفانيوس» عن «بالطو» طبيب الأنف والأذن والحنجرة، وصارت أولى مهام عمله فى عنبر «البيض» بحظيرة تربية الدواجن، إلا أن شغفه الشديد بالقراءة والاطلاع لفت انتباه القمص «متى المسكين»، فأسند إليه مهمة مساعدة الرهبان المشرفين على مكتبة الدير التى تضم مراجع ومخطوطات تعود للقرن السابع الميلادى.
 
«الظهور الإلهى»، هكذا معنى اسم «إبيفانيوس»،
الذى صار مرافقاً للأب «متى المسكين» فى رحلته العلاجية إلى أمريكا عام 1997، كما رافق الراهب «يوحنا المقارى» فى رحلتَى علاجه بألمانيا أواخر 2002، وكان يتابع الرهبان الذين كانوا فى مراحل خطيرة من مرضهم، ويعمل على خدمتهم حتى وفاتهم.
 
كان «إبيفانيوس» فى ملابس الراهب، لا يشغل نفسه إلا بخلاص روحه، فحظى بحب واحترام ساكنى الدير من الرهبان شيوخاً وشباباً، وحينما أبدى الأنبا «ميخائيل»، مطران أسيوط الراحل، رغبته فى إعفاء نفسه عن رئاسة الدير، عقب جلوس البابا تواضروس الثانى على الكرسى البابوى، تم إجراء اقتراع سرى بين الرهبان، ووقع اختيارهم على الراهب «إبيفانيوس» بأغلبية الأصوات، وأيد هذا الاختيار الأنبا «ميخائيل»، والتقى «إبيفانيوس» بالبابا لأول مرة فى 26 فبراير 2013، وأوصاه بوصية محددة «أن يُعيد لدير القديس أنبا مقار صورته المشرقة الأولى، ويلم شمل الدير».
 
وفى 10 مارس 2013، سيم الأنبا إبيفانيوس أسقفاً على دير «أبومقار»، إلا أن المنصب لم يغير منه شيئاً، فظل كما هو يشرف على مكتبة الدير ويواصل كتابة المقالات ويصدر المؤلفات الكنسية، وتجرد تماماً عن كل مظاهر الأسقفية، فظل بلا عمامة ولا عصا ولا صليب ذهبى، ولم يكن يسمح إطلاقاً لأحد بتقبيل يده أو السجود له تكريماً لرتبته الكهنوتية، ولا حتى إجراء الطقوس الخاصة بالأساقفة عند حضوره الكنيسة.
 
«كان جريئاً فى الحق، يتصدى لإظهار الرأى الصائب فيما تختلف فيه الآراء أحياناً فى بعض القضايا التى تعوق وحدة الكنائس، واتحاد الرأى فى أمور لا تحتمل الاختلاف، إذ لها إثباتاتها المفحِمة من المراجع الأصلية والمخطوطات»، هكذا تحدث عنه زملائه من الرهبان، إلا أن ذلك لم يجلب له إلا المتاعب داخل الدير وخارجه، ولكن لم يتصور أنه سيدفع حياته ثمن مواقفه.
 
ففى ليلة ظلماء، يوم 29 يوليو 2018، تربص «أشعياء» و«فلتاؤس» الراهبان فى الدير، بالأسقف الوديع بسبب تصديه لخطاياهما، وحينما خرج من مسكنه قاصداً الكنيسة ليصلى لله فى محرابها، هجم عليه «أشعياء» ضرباً بقطعة حديدية، حتى هشم رأسه، وفارقت روحه الجسد.
 
تعلم «إبيفانيوس» من سيده المسيح الوداعة والتسامح، ولم يتعلم قاتلاه إلا من «يهوذا» الخيانة.