الأقباط متحدون | النسيان‏..‏ فوائده وأضراره
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٢٠:٥١ | الأحد ٤ ديسمبر ٢٠١١ | ٢٣ هاتور ١٧٢٨ ش | العدد ٢٥٩٨ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

النسيان‏..‏ فوائده وأضراره

الأهرام- بقلم: البابا شنودة الثالث | الأحد ٤ ديسمبر ٢٠١١ - ٠٥: ٠٨ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

ما أكثر ما يشكو الناس من النسيان‏,‏ بل يطلبون أيضا علاجا للنسيان‏,‏ حقا إن للنسيان مساوئ كثيرة‏,‏ ومع ذلك لكي ننصفه‏,‏ نقول إن هناك ولاشك فوائد للسيان‏.‏ فالنسيان ليس كله شر‏.

ولقد سمح الله به من أجل نفع الانسان وفائدته, ولو احسن الانسان استخدامه, فالانسان الحكيم يعرف متي ينبغي أن يتذكر ومتي ينبغي أن ينسي..
>> من الخطأ طبعا أن ينسي المرء واجباته الدينية أو واجباته العالمية, ومن الخطأ أن ينسي عهوده ووعوده ونذوره ومواعيده, ومن الخطأ أن ينسي فضل الناس عليه, أو ينسي بالأكثر إحسانات الله العديدة إليه.

>> ولعل من أخطر أنواع النسيان, أن ينسي الانسان أصله الترابي, إذ أن الله ـ جل جلاله ـ قد خلق التراب أولا, ثم خلق الانسان من هذا التراب, والذي ينسي أصله الترابي قد يقع في الكبرياء, والعجرفة, والإعجاب بالنفس, والتباهي بالمناصب والألقاب, وأتذكر أنني قلت عن ذلك في بعض أبيات الشعر:
قل لمن يعتز بالألقاب إن... صاح في فخره من أعظم مني؟!
أنت في الأصل تراب تافه... هل سينسي أصله من قال إني؟!
وهكذا فإنني جعلت أمامي هذا الأصل الترابي, كأنشودة أغني بها باستمرار, حيث قلت:
يا تراب الأرض يا جدي... وجد الناس طرا
أنت أصلي أنت يا من أقدم... من آدم عمرا
ومصيري أنت في القبر... إذا وسدت قبرا
>> أما عن فوائد النسيان فلعلنا نذكر في قمته أن ننسي إساءات الناس إلينا ننساها لكي نستطيع أن نصفح وأن نسامح.. وننساها لكي لايملك الغضب علي قلوبنا من جهتهم.. وأيضا لكي نهرب من شيطان الحقد والكراهية.

الذي ينسي أخطاء الناس إليه, يمكنه أن يحب الجميع, ويملأ السلام قلبه من جهة الكل, ويستطيع أن يقابل كل أحد ببشاشة, ولايخزن في قلبه شرا من جهة أحد, لذلك إن اساء أحد إليك, لاتحاول أن تسترجع في ذهنك إساءته إليك, ولاتجلس مع الناس وتحدثهم عما فعله بك ذلك المسيء,, لاتفكر في هذا الموضوع, ولاتتكلم في تفاصيله, لئلا يرسخ كل ذلك في ذاكرتك وفي قلبك ويتعبك.

>> وليس فقط تنسي أخطاء الناس إليك, إنما عليك أن تنسي أخطاءهم بصفة عامة, فإنك لو تذكرت علي الدوام أخطاء الناس, لأسودت صورتهم في نظرك, وأصبحت تعجز من أن تجد لك في الناس صديقا.. فكل الناس لهم أخطاء, ولو تذكرنا لكل واحد أخطاءه, لما استطعنا أن نتعامل مع أحد, وربما يدخل الشك إلي قلوبنا من جهة الناس, وربما لانستطيع أن نتكلم باحترام مع أحد!

إذن ليتنا ننسي أخطاء الناس, لكي يعاملنا الله بالمثل, وما أجمل قول القديس العظيم الأنبا أنطونيوس: إن ذكرنا خطايانا, لايذكرها لنا الله, وإن نسينا خطايانا, يذكرها لنا الله.

إذن أذكر خطاياك, وإنس خطايا غيرك, فإن هذا يقودك إلي الاتضاع, وإلي المحبة, أما الانسان المتكبر أو غير المحب, فإنه علي العكس: دائما ينسي نقائصه الخاصة, ودائما يذكر أخطاء غيره, وقد يتحدث عن خطايا الناس, بينما يتضايق إن تحدث الناس عن خطاياه!

>> لذلك فإنه من النسيان النافع, أن تنسي فضائلك, أو تنسي الاعمال الحسنة التي شاءت نعمة الله أن تعملها علي يديك.. فإن عملت خيرا, أو إن عمل الله خيرا بواسطتك, فالواجب عليك أن تنسي ما عملته, لاتذكره ولاتتذكره لئلا يوقعك هذا الأمر في الإعجاب بالنفس أو في الكبرياء, وأيضا لكي لاتجلب لنفسك مديحا من الناس, قد تضيع معه بعض أجرك في السماء, ويقال لك تلك العبارة الخطيرة: قد استوفيت خيراتك علي الأرض!!.

إن الذي يعمل خيرا, ليس عليه فقط أن يعمله في الخفاء علي قدر الإمكان, حيث لايراه الناس.. إنما الأفضل أن يخفي الأمر حتي عن نفسه بالنسيان, حسبما قال السيد المسيح لمن يعمل صدقة: لاتعرف شمالك ما تفعله يمينك.. والله الذي يري في الخفاء هو يجازيك علانية.

حقا إن الانسان الذي يحاول أن يظهر فضائله, أو يتحدث عنها, ما أسهل أن يقع في الغرور وربما يفقد ثوابه.. فإن لم تستطع أن تنسي الخير الذي تعمله, وإن ألح عليك الفكر في تذكاره.. فإنسب ذلك إلي نعمة الله وعمله وليس إلي نفسك.

>> ومن فضائل النسيان أيضا, أن ننسي المتاعب والضيقات.. فأحيانا يكون التفكير في الضيقة, هو أشد إيلاما وضررا من الضيقة ذاتها لذلك اجعل الضيقات خارج نفسك لاداخلها.

لاتسمح لها بالدخول إلي فكرك أو إلي قلبك لئلا تتعبك, حاول أن تنساها, وإن ألح عليك الفكر ولم تستطع أن تنسي, حاول أن تنشغل بالقراءة أو بالعمل أو بالحديث مع الناس, لكي تنسي.. علي قدر امكانك حاول أن تنسي المتاعب والهموم, لأن تذكرها قد يجلب الأمراض النفسية والعصبية وأمراضا أخري.

>> من فوائد النسيان أيضا, أن ينسي الانسان المعثرات التي تجلب الخطية, وقد يقرأ شاب قصة بذيئة أو يري منظرا خليعا, أو يسمع كلاما مثيرا.. وإن لم ينس كل هذا, تظل هذه الأمور حربا علي فكره تضيع نقاء قلبه, فمن الخير له أن ينسي.. حاول إذن أن تنسي كل ما يعكر نقاء قلبك.

>> من فوائد النسيان أيضا أن ننسي التفاهات, لكي تبقي في الذهن فقط الأمور المهمة النافعة, فلو ذكر الشخص كل ما يمر عليه في يومه أو طوال الأسبوع من أمور تافهة تختص بالأكل والشرب وأحاديث الناس ومناظر الطريق وأيضا كل القراءات والحديث.. فإن طاقة هذا الانسان لاتحتمل أن تخزن ما يلزمه من المعلومات الأساسية.

إذن إن النسيان هو عملية غربلة حيوية, تغربل في الذهن وفي الذاكرة جميع المعارف والمعلومات والمناظر والسماعات, فتستبقي منها النافع وتترك ما لايفيد وتنساه.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.
تقييم الموضوع :