تعليق على مقالات "رحلة العائلة المقدسة" لكاتبها الأستاذ/ سليمان شفيق
بقلم: دكتور مهندس/ ماهر عزيز
يبدو أن الأجيال المتعاقبة بعدنا ستقف مستهولة زماننا الحاضر وتتحسر عليه كما تحسر ديكنز وهو ينعى القرن الثامن عشر:
كنا نحصد رصيد الأمجاد.. بل كنا نحصد رصيد الخيبات، كنا نتجه لأفق الكرامة.. بل كنا نغرق في ظلمات الفقر والجهل والمرض، كنا ننعم بالتكنولوجيا الباهرة.. بل كنا منحدرين في كهف الشعوذات والخرافة.. كنا متجهون رأساً إلى المساواة وعدالة القانون.. بل كنا مقهورون بالظلم وأكل الحقوق، كان لنا زمان الحب.. بل كان لنا زمان الخيانة، كان لنا كل شيء.. بل لم يكن لنا أي شيء.. كنا جميعاً ذاهبون رأساً إلى النعيم.. بل كنا جميعاً ذاهبون رأساً إلى الجحيم!!!
عصفت بى هذه الأفكار وأنا أنتهى من قراءة الدراسة القيمة التي نشرها الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ سليمان شفيق حول " رحلة العائلة المقدسة" والتعقيب عليها..
على مدى خمس مقالات كاملة توزعت عليها فصول الدراسة كانت المحاور الرئيسية التي دارت حولها المعطيات والنتائج على النحو التالى:
1. رحلة العائلة المقدسة ألقت الضوء عليها هيلانة أم الامبراطور قسطنطين في القرن الرابع الميلادى ومنذ ذلك التاريخ لم تحظ بأى اهتمام سوى في السنوات الأخيرة بدوافع متعددة.
2. غطت الرحلة قرابة 3500 كيلومتر من أرض مصر المباركة بدءاً من غزة وحتى جبل قسقام ما يعرف الآن بالدير المحرق، وشملت 25 موقعاً رائعاً على أرضنا الطيبة تشكل جميعها معاً حبات لؤلؤية على طول مسبحة المسار.
3. اعتمد بابا الفاتيكان أيقونة العائلة المقدسة، كما اعتمد في ديسمبر 2017 مسار العائلة المقدسة بمصر كأحد برامج الحج الفاتيكانى، وبدأت "مؤسسة أوبرا روما" التابعة للفاتيكان في تبنى أطروحة "حج المسار" مما يخلع عليه زخماً هائلاً للسياحة الدينية التي تضاف إلى الرصيد الوطنى للسياحة.
4. في الوقت الذى تكاتفت فيه البيروقراطية العنصرية على التسفيه من قيمة مسار العائلة المقدسة، والضرب بشدة على حقارة مردوده على السياحة والاقتصاد بما لا يتكافأ مطلقاً مع التكلفة الباهظة المطلوبة لإحياء المسار ومعالمه الرئيسية بمصر، وبما يعد إهداراً سفيهاً للمال العام، أكد البحث النزيه أن السياحة الدينية لكنيسة القيامة وطريق الآلام عام 2018 كان قوامها 4 ملايين سائح حصدت دولة إسرائيل منها مكاسب جمة لاقتصادها القومى.
ووفقاً للبيانات المنشورة 10% من إجمالي 79.5 مليون سائح لفرنسا عام 2011، أي حوالى 8 ملايين سائح، ذهبوا فقط للسياحة الدينية لزيارة كاتدرائية نوتردام وعذراء لورد وغيرها.
وحوالى 20% من إجمالي السائحين إلى إيطاليا البالغ عددهم أكثر من 43 مليون سائح، أي حوالى 10 ملايين سائح، يرتادونها لأجل المعالم الدينية فقط، ويغدقون بأرباح تربو على 8 مليارات دولار على الاقتصاد الايطالى، ومثلها في ذلك أسبانيا ودول أخرى كثيرة.
فكم ينتظر مصر من رخاء سياحى لو تبوأ مسار العائلة المقدسة مكانته التي يستحقها على الخريطة السياحية لمصر.
5. تحتل المنيا وأسيوط مواقع متميزة جداً على مسار رحلة العائلة المقدسة، والاهتمام بمعالم الرحلة فيهما سيعود عليهما بالمجد والسعة والرخاء والرفاهية، وسيتجاوز كثيراً المسار إلى مجمل التنمية الأساسية بالمحافظتين.
6. لاتوجد أية بوادر تشى باهتمام الأجهزة الحكومية وجديتها واجتهادها تجاه تسويق مسار العائلة المقدسة سياحياً وتنموياً ومجتمعياً واقتصادياً، رغم ما يمثله المسار من كنز مكنون للسياحة والاقتصاد معاً في مصر.
وينتهى البحث إلى خلاصة جوهرية مؤداها أن يوضع مسار رحلة العائلة المقدسة على قائمة أهم الأولويات، فيعقد لأجله مؤتمر عالمي برعاية منظمة اليونسكو والدول المهتمة وعلى رأسها الفاتيكان، ويتم حشد التمويل الدولى له على غرار ما ساعد العالم كله في إنقاذ معابد فيلة بأسوان لدى تشييد السد العالى، وتؤسس له لجنة عليا قومية تقود عملية تطويره وتحديثه وتسويقه لأجل رخاء ومستقبل مصر..
فهل لمرة واحدة فقط.. لمرة واحدة فقط.. تتراجع البيروقراطية العنصرية عن تعويق مشروع سياحى اقتصادى تنموى فذ لأجل مستقبل مصر؟
استشارى الطاقة والبيئة وتغير المناخ