ونحن في خضم موسم نتائج امتحانات الثانوية العامة ومكتب تنسيق القبول بالجامعات والمعاهد واختبارات القبول لسائر الكليات وقلوب الأسر الملهوفة والمعلقة علي مصير أولادها وبناتها, لا يخلو الأمر من حديث في كل مجلس حول نظامنا التعليمي والصراع غير المعلن بين خطة الدولة لإصلاح وتطوير التعليم ممثلة في رؤية جريئة لوزير التربية والتعليم وبين الأسرة المصرية ولية أمر التلميذ والتلميذة والتي تقف متشبثة بنظام التعليم الكلاسيكي السائد عاجزة عن فهم واستيعاب خطة تطوير التعليم ومستنفرة ومتربصة بأية سلبيات تعتري تطبيق هذه الخطة حتي تهاجمها وتنعتها بالفشل.
عقلي مع الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم, فهو صاحب رؤية وله سياسة يؤمن بها لإصلاح التعليم وفي نفس الوقت قلبي معه وأشفق عليه إذ أتأمل استراتيجيته التي يتبعها لتنفيذ تلك السياسة بحيث تعم بشكل كامل وشامل علي جميع مراحل التعليم في شتي أنحاء محافظات مصر ومدارسها في نفس الوقت… وكثيرا ما أقف لأسأل نفسي: هل تعميم السياسة الجديدة بهذا الشكل جاء متسرعا؟… وهل يضمن أن تكون كل الأمور المتصلة بها تحت السيطرة؟… وهل تمكن الوزير من إعداد جميع عناصرها علي مستوي الجمهورية قبل إطلاقها؟… إن ردود أفعال الخبراء والمعنيين بشئون التعليم وأولياء الأمور والطلبة متباينة في الإجابة علي هذه الأسئلة, وتتراوح بين الترحيب والتأييد والاستغراب والرفض, لكن القاسم المشترك بينها هو التوجس من العجلة في التطبيق بالإضافة إلي بسطها علي كامل نظام التعليم برمته دون إخضاعها للاختبار المرحلي وتعميمها تدريجيا.
فالكل يدرك أن عناصر العملية التعليمية هي المدرسة بكل مرافقها وخدماتها, والمعلم, والمنهج بكل ما يتصل به من كتاب ومكتبة وبحث وتقييم وامتحان, وفي المركز من كل ذلك التلميذ الذي هو الهدف المبتغي من العملية التعليمية ومن ورائه أسرته التي ينبغي إشراكها وعدم تجاهلها حتي تكون قيمة مضافة وغير معطلة للتعليم… فإذا تأملنا جميع هذه العناصر وفحصنا درجة إعدادها واستعدادها لتنفيذ سياسة إصلاح وتطوير التعليم- والتي أكرر أنني معجب بها ومؤيد لها- سوف نجد أنها لم تكتمل علي الوجه المنشود عبر محافظات مصر جميعها, فهناك تباين حاد بين المباني التعليمية ومرافقها وخدماتها, وهناك تباين مقلق في مستوي تأهيل المعلمين, علاوة علي تفاوت درجة استيعاب الطلبة لتطوير الكتاب والمناهج والأدوات التقنية الجديدة المطروحة عليهم والتي تتردد علي أسماعنا مثل التابلت والبوكليت والإنترنت وغيرها من الأدوات التي تساير تقنيات العصر والتي لا غني عنها في مسار الإصلاح والتطوير… وبعد ذلك كله ولا يقل أهمية عنه يبرز دور الأسرة المصرية التي تقف حائرة خائفة من النظام الجديد, فمهما تم تبشيرها بمميزاته وحتميته لإصلاح التعليم يمنعها جهلها به وعدم طمأنتها بنتائج تجربته مرحليا من قبوله أو التعاون معه.
إذا المشكلة ليست في الرؤية الإصلاحية أو العزم علي التطوير, إنما المشكلة في الانطلاق غير المحسوب لتعميم السياسة الجديدة علي مدارس مصر كلها… وأتساءل: ماذا لو تم اختيار عينات تجريبية من المدارس تشمل سائر مراحل التعليم عبر محافظات مصر كلها لتطبيق سياسة ونظام التعليم الجديد عليها أولا بحيث تعكس النتائج صورة التقدم والحداثة المحققة منها ونوعية الطالب والطالبة التي أفرزتها, فيكون ذلك أعظم سفير يبشر بالنظام الجديد لدي باقي المدارس ولدي الأسرة المصرية بركنيها: الطالب وولي الأمر… حتي إذا أقدمت الأجهزة التعليمية بعد ذلك وبخطط مرحلية علي تعميم نظام إصلاح وتطوير التعليم تكون قد ضمنت حسن تجهيز عناصره من مبني ومنهج ومعلم, وحسن تأهيل الأسرة من طالب وولي أمر.
إننا أمام هدف قوي لا يستقيم تأجيله أو المساومة عليه أو مهاجمته ونعته بالفشل لمجرد عدم التروي في التطبيق وليس عيبا أن نراجع أنفسنا إذا تبين أن الحكمة تملي علينا المضي في إصلاح التعليم بشكل مرحلي حرصا علي نجاحه وعدم تعثره.