يوم عرسها استشهد والداها في طريق عودتهما بسيارة ميكروباص خلف سيارة العروسين، أمام معهد الأورام، تختلط دموع العروس مع ضحكاتها، وهى تتحدث عن يوم فرحها: «أمى وأبويا كانوا طايرين من الفرح لارتباطى بالإنسان اللى اتمنيته.. كإنهم بيودعونى بدل ما يزفونى.. أنا اللى هزفهم في جنازتهم للجنة».
منذ وقوع الحادث ولم تذق عين العروس «نعمة طارق شوقى» طعم النوم، ولم تكف عن البكاء: «هاتولى أبويا وأمى.. ماتوا يوم فرحى.. حرام عليكم».
داخل قاعة نقابة المعلمين، كانت «نعمة» تراقص والديها، وهما في فرحة عارمة، بأول فرحتهما، فهى ابنتهما الوحيدة، ولديها شقيق واحد يُدعى «شوقى»، لحظات لم يتم محوها من ذاكرة العروس، بين الحين والآخر تشاهدها على هاتفها المحمول، ويزداد بكاء العروس: «يا بابا تعالى زفنى.. يا ماما إمسكى لى فستانى».
ترى «نعمة» في والدها حنان الدنيا كلها، فهو العامل بمعدات النقل الثقيل بإحدى شركات البترول: «عمره ما حرمنى من حاجة.. كان سندنا وكل حاجة في الدنيا».
لحظات صعبة عقب الحادث مرت على العروس، حين عثر على جثمان والدتها «نجوى رفعت»، ولم يتم العثور على جثمان والدها سوى أمس: «الوقت ده أصعب وقت مرّ عليا.. أبويا معرفش عنه حاجة إلا بعد يومين من الحادث!!».
تركت «نعمة» منزل أسرتها عقب الحادث، وذهبت لشقة أحد أقربائها بمنطقة السيدة عائشة، هي وشقيقها، لم تستطع العروس- كما تروى- أن تقيم بشقة والديها، وتتذكر ما كان قبل ساعات حقيقة وأضحى سرابًا، أبوها الذي يجلس على الكنبة في الصالة ويُداعبها: «جهزى نفسك يا عروسة.. واتعلمى فنون الطبخ»، وأمها التي جهزت لها فستان الفرح «الشبكة»، وانتظرت بالساعات حتى تشاهدها في أحسن صورة، لطالما تمنتها: «أمى كانت بتقول بتمنى يا بنتى أشوفك عروسة قبل ما أموت».
كانت نعمة في طريقها للبساتين بعدما خرجت من قاعة الأفراح، وشاهدت السيارة الميكروباص تحترق وداخلها والداها، وعقب ذلك أخذتها صديقتها في بيتها، وبدلت فستان الفرح بملابس الحزن السوداء.
وقالت العروس: «عندما عدت لموقع الحادث كانت سيارات الإسعاف قد نقلت جثامين شهداء الحادث للمستشفيات»، وأضافت: «كان يومى عبارة عن جثث متفحمة وأتنقل من ثلاجة لأخرى ومن مستشفى لآخر وأنا أبحث عن عائلتى فقط، وكانوا جثثا متفحمة وكنت أبحث عن أي علامة بهم لأخبر المستشفيات عن أسمائهم، وظل هذا الوضع لمدة يومين حتى عثرت قوات الإنقاذ النهرى على جثمان أبى في مياه النيل، ووجدت جثة أمى في مستشفى معهد ناصر، فهل تستحق عائلتى هذه الموتة البشعة؟!»
وتضيف العروس واصفة لحظات عثورها على جثة أمها «نجوى»، قائلة: «صرخت ولم أصدق.. ناديت باسمها عاليًا.. كل أرجاء المستشفى زلزلزت.. (يا نجوى إصحى يا نجوى.. تعالى إمسكى فستانى)».
لا تطالب العروس بشىء سوى: «الدولة تأخذ حقنا من الإرهابيين.. موتوا أبويا وأمى، وناس من عائلتنا وجيراننا».
محمد أحمد، عريس نعمة، لم يستطع التعليق على الحادث، كان في حالة يرثى لها: «مش عارف أقول إيه.. زفافى تحول لجنازة».