يبدو أن الشعبية الكاسحة لكرة القدم بين سائر الرياضات في بلادنا باتت قدرا غريبا يدفع المصريون ضريبته, فهم يتعلقون بكل مشاعرهم وآمالهم بلاعبي وفرق كرة القدم سواء في إطار المنافسات المحلية أو البطولات الخارجية وللأسف في غالب الأحيان يرثون الحسرة والإحباط.. وفي المقابل تقف باقي الرياضات الجماعية أو الفردية عاجزة عن الاستحواذ علي نصيب ولو قليل مما تستحوذ عليه كرة القدم, ويغار من يمارسونها من أقرانهم لاعبي كرة القدم ويتمنون لو حصلوا علي اهتمام جماهيري وإعلامي ورسمي في رياضاتهم مثلما تحصل كرة القدم.. ويكون التناقض صارخا عندما يخفق لاعبو كرة القدم وهم يحصلون علي كل شيء, بينما ينجح ويتفوق ويحصد البطولات والميداليات والمجد لاعبو اللعبات الأخري ولا يحصلون علي الاهتمام أو التكريم أو الإغداق المادي الذي يستحقونه.
هذا ما عايشناه خلال الفترة الماضية ووقفت أمامه حائرا مستنكرا, ففي مجال كرة القدم أصيبت الجماهير بصدمة غير متوقعة بعد الخروج المهين المخجل للفريق القومي من الأدوار قبل النهائية لكأس الأمم الأفريقية التي استضافتها مصر والتي تعلقت آمال الجميع بفوز الفريق المصري بها بناء علي ترشيحات الخبراء علاوة علي الميزة التي كانت متوفرة له دون سائر الفرق المشاركة باعتبار البطولة تقام علي أرضه ووسط جمهوره.. وأقول الخروج المهين المخجل لأن النقاد والمنصفين عبروا عن قلقهم من مستوي الأداء الذي ظهر به الفريق حتي في المباريات التمهيدية التي فاز فيها, كما أشار البعض إلي افتقاد الروح الوطنية الحماسية الواجب أن يتحلي بها كل من حصل علي شرف تمثيل بلده.. فماذا كانت النتيجة؟.. فقدان البطولة, ثم وكأن لا شيء قد حدث عاد اللاعبون من حيث جاءوا سواء كانت أندية محلية أو عالمية وكالمعهود من دفع الفاتورة هو المدرب الأجنبي الذي تم نهو عقده ورحل علاوة علي العصف باتحاد اللعبة وإقالته مع ما تعودنا عليه من اتهامه بالفساد!!!
سيناريو متكرر ومعروف لأحد وجهي العملة.. أما الوجه الآخر فكان الفرحة الغامرة التي عوضت المصريين حسرتهم وإحباطهم إزاء كرة القدم, حين تابعوا انطلاقات وانتصارات الفريق القومي لكرة اليد في بطولة العالم التي أقيمت في إسبانيا الشهر الماضي, وشاهدوا العزيمة والإرادة واللعب الجماعي المشرف لهذا الفريق وكيف بهر الجميع وشهد له الخبراء وسائر مدربي الفرق المنافسة حتي انتزع المركز الثالث علي العالم والميدالية البرونزية ليسجل اسم مصر بين الثلاثة الكبار في لعبة كرة اليد.. وعاد هذا الفريق إلي مصر لينال ما يستحق عن جدارة من حفاوة الاستقبال والتكريم, ولكن يظل التناقض صارخا بينه وبين فريق كرة القدم في الاهتمام والتمويل والمكافآت والمقابل المادي حيث تميل جميع المعايير لصالح كرة القدم دون استحقاق وتدير ظهرها لسائر اللعبات بكل صلف وغبن.
أكثر من خاطر يدور في ذهني إزاء هذا الواقع, الأمر الذي دعاني لأمسك القلم وأكتب:
** بخصوص إصلاح المعوج في مجال كرة القدم والفريق القومي, وعلي ضوء الجهود المبذولة حاليا لإعادة النظر في الإدارة وطاقم التدريب, وبالأخذ في الاعتبار افتقاد الروح في الأداء وانسياق الجميع خلف المقابل المادي.. يلزم أن تكون هناك وقفة حازمة للكف عن تدليل وإفساد اللاعبين حتي إذا استلزم الأمر إعادة تكوين الفريق القومي بالكامل باستبعاد المحترفين والاستعانة بالمتميزين من الشباب في الأندية.. وأقصد بذلك العودة بكرة القدم للزمن الجميل حين كانت لعبة ممتعة ورياضة للترويح ومنافسة أخلاقية قبل أن تتحول إلي صناعة وبيزنس!!.. ولعل في هذا الإطار يتحتم اللجوء إلي إدارة عسكرية لتحقيق الانضباط والالتزام والتفاني وسمو الأداء والأخلاق.
** هالني ما قرأته بين سطور ما نشر عقب فوز النادي الأهلي بدرع الدوري ثم فوز فريقه علي نادي الزمالك فيما يطلق عليه لقاء القمة!!!.. وعلامات التعجب هذه خاصة بلقاء القمة, فقد بحثت عن أية قمة يقصدون وفشلت في التقاطها.. لم أجد قمة في الأداء ولا قمة في الروح ولا قمة في الأخلاق ولا قمة في أي شيء, وبعد ذلك كله تنهمر المكافآت علي لاعبي الأهلي بلا حساب, لكن ما هالني لم يكن الإعلان عن مكافآت الفوز بالدوري أو مكافآت الفوز علي الزمالك.. ما صدمني ما نشر عن موافقة محمود الخطيب رئيس النادي علي رفع العقوبات التي سبق توقيعها علي الفريق عقب الخروج المهين من دوري الأندية أبطال أفريقيا بالهزيمة 5/صفر أمام نادي صن داونز الجنوب أفريقي.. أتعرفون قيمة العقوبات التي سبق توقيعها وتقرر رفعها وردها للاعبين المتسببين في الخروج المهين؟.. إنها عشرون مليون جنيه!!!.. وبحسبة بسيطة تعني رد مبلغ يتجاوز 650ألف جنيه لكل لاعب!!!.. وتسألونني بعد ذلك عن المعايير التربوية والرياضية والأخلاقية والوطنية في كرة القدم؟!!
* ألم يكن الأجدر بمحمود الخطيب وهو الإداري الحصيف واللاعب النجم الذي ينتمي إلي الزمن الجميل والذي طالما بذل نفسه من أجل إعلاء شأن كرة القدم ورفعة اسم النادي الأهلي ومصر وإسعاد الجماهير, أن يصدر قرارا بتوجيه مبلغ العشرين مليون جنيه هذا لتكريم فريق كرة اليد المصري؟.. إنها عقوبة رادعة كانت قد وقعت علي فريق كرة القدم نتيجة فشله وإخفاقه المهين فبأي معايير تربوية يتم ردها إليه؟.. ألا يكفيه ما حصل عليه من مكافآت الفوز بالدوري وبلقاء القمة؟.. وكم كان إعادة توجيه المبلغ لتكريم فريق كرة اليد ستكون له مدلولات تربوية ورياضية ووطنية عظيمة.. لكن للأسف لم يحدث شيء من ذلك.. ويظل لاعبو كرة القدم مدللين مفسدين.. ويظل لاعبو كرة اليد ومن بعدها سائر الرياضات التي حصدت البطولات والمجد ضحايا التفرقة والتمييز والغبن والإحباط.
*** علي فكرة.. أنا كنت في شبابي مشجعا أهلاويا قبل أن أهجر كرة القدم احتجاجا علي ما انحدرت إليه سواء في الملعب أو المدرجات.. عشان بس محدش يقول إني متغاظ من مكاسب الأهلي!!!