في الوقت الذي كانت تتعالى فيها أصوات تكبيرات عيد الأضحى المبارك في شوارع المحروسة، كانت إيمان ياسين، تفترش الأرض بالقرب من غرفة الرعاية المركزة للأطفال داخل معهد ناصر، لا تحرك بصرها بعيدًا باب الغرفة، التى يتسطح بداخلها صغيرها صاحب الثلاث سنوات، المصاب بسرطان الدم.
"ازاي هفرح بالعيد وابنى بين الحياة والموت" قالتها ايمان والتى كان ابنها ضمن مرضى معهد الأورام، الذين تم توزيعهم على عدد من المستشفيات، عقب حادث التفجير الإرهابي الذي هز أركان منطقة المنيل، وأودى بحياة 20 شخصًا، ليستقر حال الطفل داخل أروقة معهد ناصر "كنا لسه محجوزين في اليوم ده بالمعهد وبنستعد للنوم".
تتذكر تلك اللحظات جيدًا، حالة من الرعب تملكت منهم، لكن كل هذا لا يهم، الآن فقط تريد الاطمئنان على الصغير، تقول "العيد ملهوش طعم وحد تعبان من عيالك".
مساء أمس تلقت إيمان اتصال من أبنائها ووالدتها للاطمئنان على حالة الطفل، لم تخفِ عليهم سرًا رغم محاولتها "حالته كانت بتسوء للأسف"، تفاجأت بحضورهم فورًا في الصباح، "ولادي كلهم قضوا أول يوم العيد في المستشفى".. تقول الأم بأسى.
أعدت الجدة طعامهم المفضل، وحملت الأطفال وحضرت منذ الصباح الباكر "قولنا نهون عليها ونيجى تقضي معاهم أول يوم العيد"، وضعت أمامها أواني كبيرة ممتلئة بالمكرونة والدجاج وقطع اللحم، وبدأت توزعها في صحون صغيرة "أكل المستشفى ملهوش طعم قولت أعمل أكل بيت ونتغدى مع بعض".
على أحد الأسرة بداخل وحدة أورام الأطفال، كانت أمينة السيد، تتمنى أن تستغرق ابنتها شيماء محمد، مريضة بسرطان الدم في نومها، بعدما أرهقها السهر طوال الليل في تناول العقاقير والمحاليل نظرًا لمرورها بأزمة صحية وضيق تنفس "لقيتها بتقولى هموت يا ماما" تراقب عينيها لعل النوم يخفف عنها ما تعانيه "أول مرة تتعب كدة من يوم مرضها".
شيماء صاحبة الـ17 عامًا والطالبة بالصف الأول الصناعي، هي الأخرى واحدة ضمن مرضى معهد الأورام الذين تم تحويلهم إلى عدة مستشفيات أخرى لتلقى العلاج، عقب حادث التفجير الإرهابي مساء الأحد الماضي.
قبل ثلاث شهور، بدأت رحلة الطالبة مع المرض، أتعبها السفر من محافظة الغربية، والانتقال من طبيب إلى آخر، حتى استقر بها الحال داخل معهد الأورام "أول يوم لينا في المعهد الانفجار حصل والنار وصلت لحد الدور الخامس" قالتها والدة الفتاة صاحبة الـ45 عامًا.
أمر الأطباء بإخلاء المعهد بالكامل، كانت للتو قد استلمت سريرها بالغرفة رقم 17، ساعات قليلة وتبدل الحال "حسيت إني شايفة الدنيا كلها ضلمت عليا".. تقول الأم.
"مش حاسين بطعم العيد الليل كله سهرانه علشان بنتى تعبانه" تستكمل السيدة، والتى تقضى للمرة الأولى العيد بعيدة عن أسرتها وزوجها.
على مقربة من سرير شيماء كانت، ابتسام وليد، تحايل طفلها معاذ إبراهيم حتى يشرب القليل من العصير، تداعبه لعله يستجيب "من بعد ما أخد الكيماوي وهو ساكت دايما ومش بيضحك ولا بيتنطط" تقولها ابتسام.
لحظات عصيبة، تلك التي مرت بها ابتسام صاحبة الـ33عامًا، عندما اشتكى صغيرها ذو الأربع سنوات من ارتفاع مستمر في درجة الحرارة أعقبها نزيف "كل دكتور كان بيقول كلام لحد ما جينا معهد الأورام من أسبوعين" أمر الأطباء بإجراء الكثير من التحاليل والإشاعات، اكتشفوا أنه مصاب بسرطان في الدم، كان لابد من إيداعه بإحدى المستشفيات المتخصصة "الدكتور حولنا على معهد الأورام".
وبعد مرور خمس أيام على الحجز، جاء حدث الانفجار ليكمل قتامة الصورة، تم تحويل الصبي لاستكمال علاجه بمعهد ناصر "الناس كانت بتجرى في كل مكان ومكناش عارفين نروح فين والدنيا ضلمة".. تتذكر الأم.
"العيد مش هيبقى عيد وابنى الوحيد بيتقطع من جوه" معاذ الأبن الوحيد الذي أنجبته ابتسام، لم يعد يشغلها الأعياد والمناسبات بعد أن علمت بمرضه، لا شيء يستطيع أن يرسم الفرحة مرة أخرى على وجهها إلا شفاؤه.
داخل الممر المواجه لغرفة أورام الأطفال بالطابق الخامس بمعهد ناصر ، كان حسان عبد الناصر، طفل لا يتعدى عمره الخمس سنوات، يقبض بيده المثبت بها "الكانيولا" على هاتف والدته المحول ويتجول، "بيكلم ابوه واخواته في البلد علشان مقدروش ييجوا علشان المسافة" تقولها والدة الطفل.
مع ساعات الصباح الأولى وانطلاق تكبيرات العيد بالمساجد استعدادًا لبدء صلاة عيد الأضحى المبارك، استيقظت فاطمة من نومها، لتجهيز ملابس الطفل الجديدة، تقول فاطمة "أخوه كان هنا من أسبوع وجاب له لبس العيد" لكن تعذر عليهم الحضور مرة أخرى لبعد المسافة، حيث يقطنون بإحدى قرى محافظة الأقصر، يقول الأطباء أن الطفل يتحسن بينما الأم لازالت لا تستطيع أن تشعر بالفرحة بسبب مرض ابنها وبعد عائلتها.
علمت أسرة حسان بإصابته بسرطان الدم في بداية يوليو الماضي، كان الأمر بالنسبة لهم أشبه بالصدمة، بدأت رحلة العلاج، حوله أحد الأطباء إلى معهد الأورام بالمنيل، بعدما علموا بعدم وجود تخصص الأطفال بمستشفى لمرضى السرطان 57357 بالأقصر، وأنها للكبار فقط "المسافة بعيدة واللى بيجى مرة صعب يجي تاني علشان المسافة.. لكن آدي الله وآدي حكمته".