د. مينا ملاك عازر
عزيزي القارئ نعاود اليوم حديثنا الذي قطعناه بسبب التفجير الإرهابي الغاشم الذي ربما استهدف معهد الأورام وقاطنيه، وربما استهدف ما هو أخطر وأسوء لكن المهم أن نعود لحديثنا الآن بعد ما قطعناه إن كان الود مصول ولن ينقطع -بإذن الله-
فقد توقفنا في المقال السابق، عند مسألة التنمية المستدامة، وهي مسألة منطقية فادعاء الحكومة الكاذبة زوراً وبهتاناً أنها تشيد ما تشيده، وتبني ما تبنيه من باب التنمية المستدامة، هذا ادعاء ليس كذب فحسب ولكنه ملؤه الجحود والنكران لواقع مرير، فبحيرات الصرف الصحي التي يعوم وتعوم عليها آلاف القرى ولعل المدن في مصر كانت أولى بتنميتكم المستدامة، وتكون أكبر مشروع يقام ويأخذ أموال ويستخدم أيدي عاملة، عظمة المشروع ليست في جدواه الاقتصادية المنشودة من الحكومة ولكن لاستهدافه الفئة الأولى بالرعاية والفئة المهمشة دائماً وأبداً من كل الحكومات، وأيضاً لأنه يوقينا خطر مرض داهم بمنع أو قل بالوقاية من الأمراض المستوطنة والتي تنتقل بقلة النظافة، بالمناسبة تحدث الرئيس عن أطنان من القمامة يجب التخلص منها، وقال رقم كبير من الجنيهات، ولن أتحدث عن مستغلي القمامة، لكن يحضرني سؤال عن الكيفية والفترة الزمنية التي تكون فيها هذا الرقم الجبار من الوزن، وأين كانت الحكومة الرشيدة؟ وكل الحكومات التي قامت في مصر وقت أن كانت تلك القمامة تتكون.
آسف يا سادة، التنمية المستدامة تكون لمستحقي التنمية وليس لقاطني الفيلات والقصور والشقق الفارهة من الحالمين بأن يعيشوا في مناطق تشابه الأحياء الباريسية والشوارع الأمريكية، ويطلون على البحيرات السويسرية، هؤلاء بالرغم من كونهم مواطنين لهم الحق في الرعاية لكنهم ليسوا الأولى بالرعاية، يا سادة لا يمكن أن تأخذ الحكومة الدعم من الفقراء لتعطيه للأغنياء ثم تدعي أنها ترفع الدعم عن ملاك السيارات ومستهلكي الكهرباء، فهي إن كانت تخصم منهم خمسين جنيه فهي تعطيهم أكثر من هذا بكثير بما يتناسب مع حاجاتهم ورغباتهم وأحلامهم وطموحاتهم ،أما هؤلاء الذين يعيشون دون مدارس ولا وحدات صحية آدمية ولا مستشفيات متقدمة فليذهبوا للجحيم.
التنمية المستدامة ليست بمشاريع الكشف عن فيروس سي والادعاء أنها من أول الدول، لأن الحقيقة أنه برنامج إنمائي من برامج الأمم المتحدة قد أعطتنا أمواله بالدولار فصرفنا رواتبه بالجنيه المصري للأطباء الذين اشتركوا به، واشتغلوا به، ولا أعرف باقي الأموال أين ذهبت؟ ولمن؟ بل ربما أن ميزانية الحكومة أدرج بها مبلغ لعمل هذا المشروع من باب سد الخانة، في حين أنه لم يكلف الحكومة مليم كما يفترض، بل وفر لها الأموال من وراء الاستثمار في صحة المواطن.
آخر القول في التنمية المستدامة في هذا المقال، أن مشروع لنهضة تعليمية جادة ليس بتابليت وشكل إلكتروني زائل كان أفضل مليون مرة من بناء مدن لن يستفد منها إلا رؤساء الحكومات الذين سيسطر في سيرتهم الذاتية أنهم شيدوا كذا وكذا، لكن بناء المدارس التي تعلم المواطن فلتذهب للجحيم هي وبناء المستشفيات وبناء طرق القرى التي لا يستطع أهلها الوصل للمستشفيات بسبب وعورة الطرق، ولا الوصول للمدارس بسبب وعورة الطرق، تأخرتم كثيراً لتنمية من يستحقون التنمية في سبيل إرضاء من يدعموكم، حسناً هذا سجلكم الأسود والذي لن يمحى مهما شيدتم وخططتم وشققتم طرق وافتتحتم موانئ.
المختصر المفيد في ظل حكومة فاضلة يكون الفقر عاراً، وفى ظل حكومة سيئة يكون الغنى هو العار. كونفوشيوس