مدحت بشاي
لماذا بات أهل الفكر العقلانى من أصحاب رسائل التنوير العصرية فى حالة خوف وريبة ويأس، يعربون عنها، عبر منتدياتهم الثقافية وكتاباتهم النقدية من متابعات لحالة «فتور» وتباطؤ وتراجع عن الاستمرار فى تثوير مقاومة كل أسباب التمترس فى بقاع الاستكانة والاستجابة والتماهى الغبى لدعوات التيارات الظلامية، والتوقف عن جهود إعادة روح 30 يونيو الرافضة لزحف ضبابيات الجفاف الصحراوى لنسف ما تم من إجراءات لوضع أسس وتكريس لمبادئ العقلانية لإسقاط كل دعاوى الفكر التغييبى المشهرة لسيوف الكراهية، والرافعة أوراقا صفراء تحمل تعاليم التشدد والتعصب بقداسة مزعومة، ومناصبة أهل الفنون والإبداع العداء، بل إعلان تكفيرهم؟!
من بين أهل الإبداع الفكرى، ومن ظلوا يحدثوننا عن حقوقنا فى التمتع بكل مكاسب «المواطنة الكاملة» الباحث الكبير الرائع الدكتور «سمير مرقص» صاحب المشروع الفكرى والسياسى لتحريض مؤسسات الدولة بكل إمكاناتها المادية التنفيذية والمعنوية الفكرية للذهاب بسرعة تفرضها الظروف لدعم وتحقيق فكر «المواطنة»، وأيضًا دعوة أهل الفكر والإصلاح لكشف عورات وبشاعات أشاوس عصابات الشر.
لقد ظل «مرقص» على مدى عقود فى وضع شعار «المواطنة» كبوصلة قياس لتقدم المجتمع يدعو لها، ويبشر بأهميتها. ليس باعتبارها قيمة أخلاقية أو فكرة مفهومية مثالية، فقط، وإنما باعتبارها «حركة»، و«فعلا» لا بد للإنسان أن يمارسها، ويتحرك وفقها ليكتسب حقوقه، ويحقق بعضا من العدل والمساواة، ويكون له نصيب فى الموارد العامة للبلاد وفق تعبيره.
إلى أن جاء مقاله الأكثر روعة بجريدتنا الغراء «المصرى اليوم» ليحدثنا عن «الحق فى التفنن» وبداية من استخدام تعبير «تفنن» الأقرب للعامية المستخدمة على لسان أسطوات الورش الحرفية ليفتح زاوية الرؤية ليضم حق التعبير الفنى ليشمل حق «بيكار» و«بيكاسو» وحتى المعلم «حسن أرابيسك».. ووصولًا للأهداف الإيجابية بتطبيق لزوميات «مواطنة التفنن» والحق فى التعبير العام.
يقول «مرقص» إن أحد أهم الحقوق التى تتحدث عنها أدبيات المواطنة منذ أكثر من عقد من الزمان؛ فمن الأهمية بمكان أن يكون لدى المواطن مساحة كى يعبر فيها عما يراه يسعده من خلال المجال العام. وليس بالضرورة أن يكون المرء موهوبًا، لأن الموهبة لها طرق أخرى للتعبير والصقل. أو يستهدف الربح لأن ذلك له مسار مختلف. وإنما المقصود بالتعبير الفنى العام هو حق كل مواطن فى أن يكون لديه «فن» ما أو «صنعة» يشعر بالمتعة والفائدة من خلال ممارستها. ذلك لأن كل إنسان/ مواطن- مهما كان ذكاؤه- لديه قدرات وطاقات كامنة فى حاجة إلى الانطلاق. ربما لا ترقى لدرجة الموهبة المتميزة أو النادرة. ولكن من حق صاحبها أن يعبر عنها «مدنيًّا» فى المجال العام. أى تعبير يتجاوز غرفته الضيقة وعوالمه الصغيرة كالعائلة أو الأصدقاء. والمقصود بذلك ألا تقتصر ممارسة الفنون على أصحاب المواهب فقط. وإنما تصبح متاحة للجميع دون تمييز- «المواطنة الفنية» «Artistic Citizenship».
وبمناسبة «مواطنة التفنن» أسعدتنى مبادرة الفنان «هانى شاكر» بإعلان مطالبته لوزير التربية والتعليم بعودة حصة «التربية الموسيقية، وأتمنى أن يتبعها مبادرات أخرى لنقباء النقابات الفنية الأخرى والتى يرأسها جميعًا فناننا الرائع المخرج السينمائى عمر عبدالعزيز.
فى مقال بديع للكاتب محمد السيد المويلحى، نشر بمجلة الرسالة بتاريخ (13 مارس 1939)، كتب: يزعم بعض الناس أن الموسيقى محرمة، لأنها تلهى الإنسان عن ربه وتشغله عن دينه وعبادته، وتدفعه دفعًا لارتكاب ما نهى الله عنه.
أعيدوا لمدارسنا ودور الحصانة ومؤسساتنا الثقافية كل ما يدعم جهود التنشئة العصرية لتحقيق «مواطنة التفنن».. وحتى نغادر مخاوف اقتراب خطوات الشيطان من بيوت الإبداع السحرية.
نقلا عن المصرى اليوم