فاطمة ناعوت
سؤالٌ: ماذا يفعلُ الجندىُّ حين تصيبُ ذراعَه شظيةٌ فى أوج معركة؟ هل يُلقى سلاحَه ويملأ الدنيا صراخًا وعويلًا، ويحثُّ زملاءه الجنود على إلقاء أسلحتهم والتوقف عن القتال لأنه جُرِح، حتى يخسرَ وطنُه الحربَ؟ أم يُضمِّدُ جرحَه فى ثوان بمزقة قماشٍ ويستأنفُ من فوره حملَ سلاحه لكى يذود عن شرف وطنه؟ الاحتمال الثانى هو الحادثُ، بل يرفضُ الجندىُّ الجريحُ أن يتجمهرَ حوله زملاؤه الجنودُ للمساعدة. وإن كان الجرحُ غائرًا وشعر الجندىُّ النبيلُ بدنوّ لحظة استشهاده، يصرخ فى زملائه المُتحلّقين حوله أن ينْفَضُّوا عنه ليُكملوا المعركةَ لكيلا ينتصرَ العدو. هكذا الجندىُّ الشريف الذى خلّده التاريخُ فى سجلّاته. أرجو أن نتذكّر دائمًا هذا المثالَ فى معركتنا الراهنة مع الإرهاب، وتحدّياتنا الحثيثة نحو النهوض.
فلاشكَّ أن مصرَ تنهضُ وتتنفّسُ رغم غول الإرهاب الذى يتربّص بها منذ سنوات. وما يقعُ من حوادثَ إرهابيةٍ بين الحين والحين لا يمثّلُ إلا 1% من الخطط السوداء المُنْحَطّة التى حِيكتْ ضدّنا بليل. ولكن يقظةَ أجهزتنا الاستخبارية والأمنية أجهضتها قبل تمامها. مصرُ تنهضُ عمرانيًّا وسياحيًّا، وتستعدُّ لوثباتٍ حضارية هائلة مع الافتتاح الوشيك للمتحف المصرى الكبير فى هضبة الأهرامات. كلُّ ما سبق حقائقُ مشهودةٌ، وليست آراءَ أو وجهاتِ نظر. حقائقُ لا تحتاجُ إلا إلى عقل يدرك وعينين تبصران. لكن البعضَ يستمرئ العماءَ لكيلا يُبصرَ ما يكره أن يُبصره، ويمارسُ التضليلَ والإضلال حتى لا يرى الآخرون ما يجبُ أن يروه. مع كل نهار، ثمّة رسالةٌ قوية وحاسمة تقدّمها مصرُ للعالم، تثبتُ صمودَها فى وجه الإرهاب، وإصرارها على النهوض. رسالةٌ يلتقطها العقلاءُ، ويُسفِّهها السفهاء.
حين تقعُ حادثةٌ إرهابيةٌ على أرضنا، يطربُ أعداءُ مصرَ ويرقصون مع كلِّ نقطة دم تُهرقُ من جسد شهيد. ويُروّجون فى أبواق الحقد الكذوب «أن مصرَ غيرُ آمنةٍ!». رغم أنهم يعلمون (أكثر من غيرهم) أن أمام تلك الواقعة التى وقعت تسعًا وتسعين خطّة إرهابية أجهضتها جهودُنا الاستباقيةُ. وأن ما يقعُ من جرائمَ إرهابيةٍ فى مصر (المُستهدفة بالتهديد والنذير منذ 3 يوليو 2013، يوم إسقاط الإخوان)، لا يزيد عن معدل الجرائم الإرهابية التى تقعُ فى جميع دول العالم غير المُستهدفة بالإرهاب. ولماذا يعلمُ ذلك أعداءُ مصر (أكثر من غيرهم)؟ لأن جميعَ خُطط جرائمِهم الإرهابية ضد مصر تُحاكُ على موائدهم الدنسة فى تركيا وقطر، فتخفقُ جميعُها، إلا ما ندر. لذلك فإنهم أدرى الناس فوق الأرض بتلك «النسبة الضئيلة» لنجاح مسعاهم الشيطانى، ولهذا أيضًا يملأون الدنيا صراخًا هستيريًّا مع كل حادث يقع على أرضنا من أجل لفت أنظار العالم كلّه؛ حتى يعزفَ السياحُ عن زيارة مصر، وينفرَ المستثمرون من الاستثمار فى أرضنا.
فهل المطلوب منّا، نحن الشعب المصرى والحكومة المصرية، أن نسلك سلوكَ أهل الشرِّ من أعداء مصر؟ أم نسلك سلوك العقلاء الوطنيين الغيورين على صالح مصر ونصاعة صورتها أمام العالم؟ ذلك هو السؤال الذى علينا تأمله، واضعين فى الاعتبار مثال الجندى الجريح فى ساحة الوغى.
مُنيتْ مصرُ بحادث إرهابى وقح، راح فيه شهداءُ أطهارٌ، ودُمِّر فيه شطرٌ من المعهد القومى للأورام. وتزامنت تلك الجريمة الوقحة مع حفل سياحى ترويجىّ عالمى، فى مدينة العلمين، إحدى الألماسات الجديدة المغروسة فى أرض مصر، تُحْيِيه نجمةُ الاستعراض العالمية چنيفر لوبيز، فهل من الحكمة إلغاءُ الحفل وعزوف الوزراء المصريين عن المشاركة فيه، لكى يتفرغوا للبكاء على جرحنا الإرهابى الأخير، أم استئناف المعركة النهضوية التنموية التى ترسم للعالم صورةً طيبةً لمصر التى تحاربُ الإرهاب بيد، وتُشيّد المستقبلَ باليد الأخرى؟ فى ذلك الحفل الأسطورى الذى نجح نجاحًا باهرًا، ظهرت وزيراتُ مصر الجميلات فى ثيابٍ بيضاء مشرقة، حتى يُرسلن للعالم رسالةً تقول: «مصرُ بخير، وستظلُّ بخير، لأن إرادتنا تريدُ الخيرَ، ويدُ الله ترعانا»، فخرج بعضُ المتنطعين من مراهقى السوشيال ميديا لِيُقبّحوا كلَّ جميل، فالعاجزُ عن صنع الجمال يُقبِّحُ الجمال الذى يصنعه غيره.
أفهمُ أن النميمةَ الإلكترونية هى زاد الشاغرين وزوادهم، ومهنةُ مَن لا مهنةَ له. وأفهمُ أن الناجحين هم مرمى الرصاص من الفاشلين الذين يترهّلون على صفحات السوشيال ميديا من أجل إجهاض نجاح الناجحين. لكننى لا أفهم أن يحاربَ شخصٌ وطنَه على صفحته الشخصية، مهما كان تافهًا أو مراهقًا، فيعاون أعداءَ وطنه بجهل وغباء، دون أن يدرى. لا يفعل هذا إلا خسيس لا يستحق شرف الانتماء لذلك الوطن. مصرُ الجميلةُ يليقُ بك الفرح، رغم الشجن، ويليق بكِ البياضُ رغم شارات الحداد. «الدينُ لله، والوطنُ لمَن يحبُّ الوطن».
نقلا عن المصرى اليوم