مراد وهبة
نبدأ بالعقل العربى ونتساءل:
هل ثمة عقل عربى؟، أى هل ثمة جماعة بشرية تفكر بنمط معين بحيث يقال على هذا النمط إنه يخص جماعة دون أخرى؟، أى هل من المشروع الحديث عن عقل جمعى متميز عن العقول الفردية وأعلى منها، وهو وإن كان جملة هذه العقول إلا أنه يؤلف كلًا مغايرًا لها، كما يؤلف التركيب الكيميائى شيئًا مغايرًا للعناصر. وفى تقديرى أن العقل الجمعى هو تعميم للعقول الفردية. والتعميم عملية عقلية نتجاوز بها الجزئيات الحسية، ومن ثم فالعقل الجمعى من حيث هو كذلك مصطلح مشروع. ثم هو مصطلح مشروع بحكم المؤلفات التى يأتى ذكر«العقل» فى عناوينها مصحوبًا باسم جماعة معينة. مثال ذلك: هانس كون له ثلاثة مؤلفات عناوينها على النحو الآتى: العقل الألمانى، العقل الروسى الحديث، العقل الفرنسى. ودبليو أبراهام له عقل إفريقيا، وفرانز بواز له العقل البدائى، وكلود ليفى ستروس له العقل المتوحش، وعلى الحاج بكرى له العقل العربى بين حربين، ورفائيل باتاى له العقل العربى، والعقل اليهودى، وتشارلس مور له العقل اليابانى، وليفى بريل له العقلية البدائية.
من المشروع إذن الحديث عن عقل جمعى وبالتالى عن عقل عربى.
والسؤال إذن:
كيف نحدد خصائص العقل العربى؟.. نحدده بكيفية مواجهته للتحديات. والتحديات، فى العصر الحديث، يمكن اختزالها فى تحديين: أحدهما خاص وهو مواجهة العقل العربى للغرب، والآخر عام وهو مواجهته للحضارة الإنسانية فى صورتها العصرية البازغة فى نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادى والعشرين وهى الكوكبية.
نبدأ بالمواجهة الأولى وأعنى بها مواجهة الغرب. فقد بدأت، على وجه التحديد، فى 3 يوليو 1798 وهو يوم غزو نابليون لمصر، إذ انتبه محمد على إلى ثقافة الغرب فى صورتها التكنولوجية ونبهه نابليون إلى ثقافة فرنسا بالذات، فى صورتها التنويرية، إذ كان التنوير سمتها الأساسية بمعنى تحرير العقل من كل سلطان ما عدا سلطان العقل ذاته. ومن ثم فإنها ثقافة لا تحيا إلا فى مجتمع يخلو من حاكم يزعم أنه يحكم بالحق الإلهى وليس بالحق الطبيعى. ولكن محمد على هو وريث الخلافة الإسلامية المتمثلة فى الخلافة العثمانية، وهى خلافة تستند إلى الحق الإلهى للحاكم أو للوالى أو للسلطان، وبالتالى لم تكن لديه القدرة على تمثل أفكار التنوير إنما كانت لديه القدرة على تمثل التكنولوجيا لأنها كانت وسيلته إلى تقوية الجيش لغزو الغرب، وهو غزو موروث من الدولة العثمانية.
والسؤال إذن:
كيف أمكن لمحمد على التوفيق بين مطلبه من الثقافة الغربية فى صورتها التكنولوجية ومطلب نابليون من بث أفكار التنوير فى الثقافة المصرية؟.. كان جوابه على النحو الآتى: إرسال مبعوثين مصريين إلى باريس لتلقى العلوم الحديثة من علوم طبيعية وعسكرية بقيادة الشيخ رفاعة رافع الطهطاوى لتحسين إدارة الحكم وتقوية الجيش، وتكون وظيفة طهطاوى فى حينها مقصورة على منع تأثر المبعوثين بثقافة التنوير وذلك بمنعهم من قراءة ما يترجمه الطهطاوى إلى العربية من مؤلفات فلاسفة التنوير الفرنسيين، وبذلك يكون قد أرضى نابليون بايهامه بأن الطهطاوى قد تعلم اللغة الفرنسية لترجمة شذرات من هذه المؤلفات، وقد كان.
نقلا عن المصرى اليوم