بقلم : د . مجدى شحاته
بيع الكنائس فى اوروبا باتت ظاهرة لايمكن تجاهلها او غض النظر عنها . فى انجلترا واسكتلندا والمانيا وهولند والدانمارك وايضا فى امريكا واستراليا ، عشرات الكنائس تباع سنويا ويتم تحويلها الى أغراض دنيوية حيث لايتوفر فى تلك الدول الغطاء القانونى او الحصانة اللازمة التى تحمى تلك الكنائس من بيعها لأغراض غير دينية التى شيدت وكرست من أجلها . الوضع الرسمى والقانونى فى مصر يختلف كل الاختلاف ، ففى بيان أصدره المتحدث الرسمى بأسم مجلس النواب المصرى الدكتور صلاح حسب الله ، المنشور بجريدة (الوطن ) بتاريخ 2|8| 2019 أكد فيه ان مصر أثبتت للعالم كله انه لا يمكن أبدا ان تفرط فى دور العبادة الخاصة بها ، وذلك على خلفية الحكم التاريخى الصادر من مجلس الدولة بشأن رفض هدم كنيسة بمحافظة البحيرة اشتراها أحد المواطنين من الاروام الارثوذكس .
وقد جاء فى بيان المتحدث الرسمى لمجلس النواب المصرى " تحرص مصر على الاهتمام بدور العبادة ، وتجلى ذلك فى الحكم التاريخى الاول من نوعه على مستوى دول العالم ، للقاضى الجليل المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة ، بحظر بيع الكنائس أو هدمها ، واوجب ترميم دور العبادة أيا كانت ملتها ، حرصا على قدسية الاديان وحرية العقيدة ومنح الكنيسة ذات حصانة المسجد ، تأسيسا على ان دور العبادة ، متى اقيمت فيها الصلاة انتقلت من ملكية العباد الى ملكية رب العباد ولا ترد عليها تصرفات البشر ، ولا يجوز تغيير الاغراض الدينية الى دنيوية ، وان كنائس مصر لاتباع ولا تشترى " وأضاف المتحدث الرسمى لمجلس النواب : ان هذا الحكم جاء مؤيدا لقرار الحكومة المصرية برفض هدم كنيسة بمحافظة البحيرة اشتراها أحد المواطنين من الاروام الارثوذكس ، وقد قبلت المحكمة لأول مرة تدخل البابا تاوضروس الثانى بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية بأعتباره رمزا دينيا للديانة المسيحية للحفاظ على الكنيسة أيا كانت الطائفة او الملة التى تنتمى اليها . ادرك جيدا ان لا يجوز التعرض لأحكام القضاء سواء مدحا او ذما ، وكلامى ليس تدخلا بأى شكل من الاشكال فى شأن القضاء المصرى النزيه العادل ، ولكن هنا لابد من الاشادة على مفهوم الحكم التاريخى وما يحمله من دلالات سامية ، والذى يرسخ وبقوة قدسية دور العبادة واحترامها والمساواة بينها ، وعدم التمييز بسبب الدين وهو مبدء دستورى جاء فى المادة 53 من الدستور المصرى : ( المواطنون لدى القانون سواء ، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات والحريات أو الواجبات العامة ) .
لا شك ان ذلك الحكم التاريخى يعزز ويدعم قانون بناء الكنائس والجهود التى تبذلها الدولة مع الكنيسة فى تقنين وتوفيق أوضاع الكنائس فى مصر ، والذى انتهى من تقنين أوضاع ما يزيد عن الألف كنيسة ومبنى فى عامه الاول ، ويواصل المسيرة نحو الالف الثانية فى العام الثانى ذلك الملف الحيوى الذى لم تلتفت له أى حكومة من الحكومات لسابقة لثورة 30 يونيو .
لا أحد يمكن أن ينكر ان مصر القوية ، بعد ثورة 30 يونيو تتغير بقوة نحو الافضل والأكمل ، نحو الامن والاستقرار والبناء والتنمية والتعمير ونبذ العنصرية الطائفية والتمييز بكل أشكاله ومازالت الدولة تسعى بكل الجهد للقضاء على الخارجين عن القانون من فلول المتطرفين وأصحاب الفكر التكفيرى المتواجدون منذ عقود طويلة ، فالموضوع يحتاج الى وقت طويل للقضاء على الافكار التكفيرية التى أفسدت عقول أجيال كاملة .
لقد أخذ الرئيس عبد الفتاح السيسي على عاتقه منذ تواليه مسئولية حكم الوطن ، ان يكسر حاجز الروتين المتشدد الذى كان يلتزم به ما سبقوه من رؤساء ، والذين كانوا يكتفون بتهنئة المسيحيين من خلال برقيات تهنئة باهتة روتينية أو ارسال مندوبين للكنائس فى ليالى الاعياد وبعد ثورة 30 يونيو جاء الرئيس السيسي يشرع ويكرس تقليدا وطنيا خالصا ، ويحرص على الحضور بنفسه للتهنئه كل عام فى قداس عيد الميلاد المجيد ( عطلة رسمية لكل المصريين بالدولة ) . ليصبح قدوة لكل المصريين ويتصدى لأصحاب الفتاوى التكفيرية التى تحرم تهنئة المسيحيين فى أعيادهم .
وعندما زار الرئيس السيسي الكاتدرائية الكبرى ليلة عيد الميلاد المجيد عام 2017 ، قال فى ختام كلمة تهنئة قصيرة العبارة التالية : ( أنا هنا فى بيت من بيوت الله ) عبارة موجزة لكن تحمل رسالة قوية فى معناها ومفهومها الروحى والوطنى ، جاءت ردا صادقا على أصحاب الفتاوى الهدامة الذين يزرعون الكراهية والاكاذيب بأن الكنائس بيوت شرك بالله . وفى العام التالى وفى ليلة عيد الميلاد أيضا شهد العالم كله الحدث التاريخى حينما قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بحضور لفيف كبير من رجال الدولة وقداسة البابا تازضروس الثانى بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية بافتتاح كاتدرائية ( ميلاد المسيح ) أكبر كاتدرائية فى مصر والشرق بجوار مسجد ( الفتاح العليم ) أكبر مسجد فى مصر والعالم ، وكان الرئيس السيسي أول المتبرعين فى بناء الكاتدرائية والمسجد بمبلغ مائة ألف جنيه من ماله الخاص ليكون قدوة لكل المصريين ، وهنا يجدر الاشارة والتنويه عن قرار الرئيس الذى أعلنه على الهواء أثناء افتتاح أحد المجمعات السكنية العملاقة ، بالتزام الدولة ببناء كنيسة فى أى مدينة سكنية او أى منشأة سكنية جديدة بجانب المسجد ، حتى لو لم تتقدم الكنيسة بطلب لذلك . هذا هو نهج الرئيس الذى يتعامل مع المسيحيين فى مصر بقدرهم الحقيقى ومن منطلق تاريخهم الوطنى العظيم الممتد عبر قرون طويلة .
فى نفس السياق المتعلق بموقف الدولة المصرية الرسمى تجاه أوضاع ومكانة الكنائس فى مصر قامت الدولة بترميم وأعادة بناء عشرات الكنائس والمرافق المسيحية التى أضيرت بالحرق والتخريب فى أعقاب فض أعتصامات المتطرفين فى أغسطس عام 2013 ، ولابد من الاشارة بكل الفخر والاعجاب لمقولة قداسة البابا تاوضروس الثانى : ( وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن ) العبارة التى حالت دون حدوث نزاعات تأكل الاخضر واليابس . بعد الهجمه الشرسة على الكنائس المصرية ، بعدها تقدم أحد نواب الكونجرس الامريكى بطرح مشروع قانون يطالب فيه وزارة الخارجية الامريكية بمتابعة مدى التزام الحكومة المصرية بترميم الكنائس التى وعدت الدولة المصرية بترميمها ، بعدها أعلنت الكنيسة القبطية
الارثوذكسية المصرية الوطنية بيان لكل دول العالم ترفض فيه بصورة قاطعة أى حديث عن مشروع قانون من الكونجرس الامريكى خاص بترميم الكنائس المتضررة وجاء فى نص البيان : " ترفض الكنيسة القبطية الارثوذكسية وبصورة قاطعة اى حديث عن مشروع قانون أمريكى خاص بترميم الكنائس المتضررة ، وتعلن ان الحكومة المصرية قامت بواجبها الكامل بأصلاح وترميم الكنائس بجهود وأموال مصرية ، وأوفى الرئيس بوعده بانتهاء هذه الاصلاحات بنهاية العام الحالى وهذا ما تم فعله على أفضل وجه ." وهنا من الواجب ان نبعث رسالة واضحة الى الكونجرس الامريكى ... سعيكم مشكور ، ومن الاجدر بكم اصدار تشريعا يحظر بيع الكنائس فى كافة أنحاء الولايات الامريكية وتحويلها الى أغراض دنيوية غير الهدف الدينى التى كرست من أجله ، وان فاقد الشئ لا يعطيه !! .
الرساله باتت واضحة وقوية أمام العالم ، وعلى الدول الاوروبية ومعهم أمريكا واستراليا ، استيعاب الدرس جيدا ، بعد أن انتهكت تلك الدول حرمة الكنائس وقدسيتها والسماح ببيعها واستباحت بكل بجاحة كل مقدسات الكنائس . لقد رصدت جريدة ( وول استريت ) الامريكية غلق مئات الكنائس فى اوروبا وعرضها للبيع ، على سبيل المثال وليس الحصر ، الكنيسة الكاثوليكية الرومانية فى هولندا توقفت عن العمل وتحولت الى حديقة تزلج ، وكنيسة اخرى تحولت الى بار لتعاطى الخمور واخرى تحوات لملهى ومقهى وكنائس متعددة تحولت لمحال لبيع الزهور والكتب والملابس او صالات للألعاب الرياضية . فى بريطانبا تحوات كنيسة القديس بول الى مدرسة لتدريب العاب السيرك ، حيث تعتبر السقوف العالية فى الكنائس مبان مثالية للمعدات الشاهقة مثل الاراجيح والعاب الاكروبات ، وفى اسكتلاندا تحولت الكنيسة اللوثرية الى بار فرانكشتاين ، وأضافت الجريدة ان الكنيسة الانجليزية تغلق 20 كنيسة كل سنة وفى ألمانيا تم اغلاق وبيع أكثر من 500 كنيسة فى العشر سنوات الاخيرة . وفى سياق آخر ذكرت مجلة ( نيوز ويك ) الامريكية ان هناك ارتفاع كبير فى عدد الهجمات على الكنائس الكاثوليكية فى فرنسا منذ بداية العام الحالى بالحرق والتخريب والتدنيس ، واضافت المجلة ان المخربين حطموا التماثيل والايقونات والصلبان بلا حياء ولاخجل .
والان ... بعد أن استباحت الدول الاوروبية ومعهم امريكا واستراليا كل مقدسات الكنائس وعرضها سلعة رخيصة للبيع ... اين دور الجماعات المؤمنة والجمعيات التبشيرية من كل ذلك العبث المخجل ؟؟ أين أصحاب قنوات اليوتيوب الهزيلة التى تصدعنا بكثير من السخافات والتفاهات ؟؟ أين الملايين من مدونى الفيس بوك الذين يقضون الساعات الطويلة فى النقد الهدام والنميمة وبث الاكاذيب والشائعات ؟؟ هل لديهم النخوة الكافية والغيرة المقدسة والتصدى لتلك الهجمة الشرسة من بيع الكنائس فى اوروبا وامريكا واستراليا ومناشدة الحكومات التى تبيع مقدساتها رخيصة لأغراض دنيوية بالتوقف عن هذا العبث المخجل ؟؟؟