الأنبا موسى
ذكرنا فى الأسبوع الماضى بعض إيجابيات وسائل الإعلام، ثم نذكر سلبيات هذه الوسائل:
3- سلبيات وسائل الإعلام:
كما أن لوسائل الإعلام إيجابيات فإن لها أيضًا سلبيات، يجب أن نتعرف عليها وننتبه إليها، لكى نتحاشاها ونتلافاها، نذكر منها:
1- التأثير الروحى.
2- التأثير الثقافى.
3- التأثير السلوكى.
4- التأثير العائلى. 5- التأثير المجتمعى.
1- التأثير الروحى:
أ- لاشك أن الجلوس طويلاً أمام التليفزيون أو الإنترنت استنزاف خطير للوقت، والحماس الروحى، وفرص الخدمة. فالبرامج طويلة، والحوارات مشوقة، والأفلام والمسلسلات تستغرق الكثير من الوقت. وقد لاحظ ذلك الكثير من المثقفين والناقدين، حيث يحدث أحيانًا أن يتحول فيلم من ساعتين إلى مسلسل من ثلاثين حلقة. نفس الموضوع والأحداث ولكن مع تطويل ممل فى المشاهد، مما يعمل على «تسطيح» العقل المصرى، ودفعه إلى «الركود الفكرى». وأذكر هنا مقالاً للأستاذ فاروق جويدة بالأهرام قال فيه: أيها التليفزيون.. ماذا فعلت بالعقل المصرى؟!
إن استنزاف الوقت لا يعطى فرصة للقراءة أو الثقافة أو الإبداع الروحى أو خدمة الآخرين فى: المنزل، ودور العبادة، والمجتمع.
ب- ولكن أخطر من استنزاف الوقت، التأثيرات السلبية التى يمكن أن تحدثها بعض المشاهد، وأفلام «البورنو جرافى» pornography الإباحية، وما تعرضه شاشات القنوات الفضائية التى لا تخضع لرقابة الدولة فى عصر «السموات المفتوحة».
ج- والأكثر خطرًا من التأثيرات السلبية، الاتجاهات المنحرفة فى المادة المعروضة، كأن يفكر شخص متزوج فى الزواج بأخرى، مهما كان تأثير ذلك على الأسرة. كذلك الاعتقاد بزواج مدنى دون عقد دينى موثق.
ومن ضمن السلبيات أن كثرة التواجد أمامها لوقت متأخر تعطل الإنسان عن ممارساته الدينية والثقافية البناءة.
2- التأثير الثقافى:
- معروف أن التليفزيون حلّ محلّ القراءة فى الكتب، ثم جاء الإنترنت والموبايل وكل وسائل التواصل الاجتماعى.. وتذكر الدراسات أن مؤسسة بحثية طلبت من مجموعة من الأسرات أن تغلق التليفزيون لمدة شهرين طواعية، لتدرس الأثر الثقافى السلبى للتليفزيون، حيث تلاحظ أن شباب هذه الأسرات بدأوا يقرأون الكتب حين أغلقوا التليفزيون، وأحسوا بالفراغ.
- إن أخطر ما فى التليفزيون والإنترنت ثقافيًا، ما يسمونه «الترويح السلبى»، إذ يجلس المشاهدون أمام هذه الشاشات لساعات طويلة بلا حركة جسمية أو فكرية، فى سلبية خطيرة تؤذى العقل، وتجعله عقلاً مستقبلاً سلبيًا بدل أن يكون «عقلاً ناقدًا إيجابيًا» (Critical Mind). والأديان توصينا: «امْتَحِنُوا كُلَّ شَىْءٍ، تَمَسَّكُوا بِالْحَسَنِ» (1تس 21:5)، وأن نصلى لكى يعطينا الرب «رُوحَ الْحِكْمَةِ وَالإِعْلاَنِ فِى مَعْرِفَتِهِ، مُسْتَنِيرَةً عُيُونُ أَذْهَانِكُمْ» (أف17:1- 18)، كما أن الإرشاد الأبوى يجعلنى أميز- فيما يُعرض علىّ- بين الجيد والردىء، وبين السمين والغث، فأختار ما يبنى حياتى وأرفض ما يهدمها. ذلك المبدأ الذى نلخصه فى كلمتين هما: «اختر وارفض» (Select and Reject)، وذلك عملاً بوصية الكتاب المقدس كما ذكرنا: «امْتَحِنُوا كُلَّ شَىْءٍ، تَمَسَّكُوا بِالْحَسَنِ» (1تس 21:5).
- لذلك نحتاج إلى تنمية روح القراءة لدينا، أو ما يسمونه تدليك «عضلة القراءة»، فالقراءة كالعضلة، إما أن نستخدمها وننميها، أو نهملها فتضمر فينا!!.
- إن ما تنشره شاشات الفضائيات والإنترنت بصدد أن يصل بالأجيال القادمة إلى ما يسمى «الثقافة الكوكبية» (Global Culture)، إذ تنتشر أفكار ومبادئ وسلوكيات معينة، ومن خلال عرضها الملحّ كل يوم، وطوال اليوم، تصير هى الثقافة السائدة فى العالم، فى التصرف والتفكير والسلوك والملابس والحركة والعلاقات... إلخ، بحيث نصل- مع الوقت- إلى ما يسمى «المواطن العالمى Global Citizen»، أى أن الفروق ستختفى بين البشر فى أسلوب الكلام والملابس والسلوك... إلخ.
- منذ سنوات انزعجت فرنسا حينما لاحظت أن التليفزيون الفرنسى 10% من مادته بالفرنسية و90% بالإنجليزية.. والضياع هنا ليس ضياع اللغة فقط، بل الثقافة والحضارة والفكر والهوية!!
- لذلك نحتاج أن يحرص شبابنا على تحجيم الوقت والدور المتاح لوسائل الإعلام، لحساب القراءة والثقافة والبحث، فهذه هى وسائل «تكوين» و«إنماء» العقل، فى مواجهة محاولات «تغييب» و«إلغاء» العقل الفردى، لحساب المعروض اليومى على الشاشات بأنواعها، خاصة فى القنوات السلبية التى تهدم ولا تبنى.
3- التأثير السلوكى:
لاشك أن السلوك المعروض على التليفزيون والنت ووسائل التواصل الاجتماعى يلتقطه الشباب ويعيشونه فعلاً. ونقصد بهذا سلوكيات الصداقة (كما رأيناها فى أفلام كثيرة هابطة، تدفع الشباب إلى الرذيلة أو الإدمان أو العنف أو غير ذلك). كما يحدث تأثير على الشباب فعلاً من جهة استخدام أسلوب كلام، أو ألفاظ رديئة، أو كلمات مستهجنة تتسلل إلى حديثنا شيئًا فشيئًا. أو أغان هابطة، أو علاقات منحرفة، أو تكوين جماعات شاردة وفاشلة.
ولعلنا نتذكر مجموعات الشباب منذ سنوات التى كانت تمارس «عبادة الشيطان» فى تقليد أعمى للغرب، أو«الهيبيز والبيتلز» وغيرهما، و«الجنسية المثلية» الجماعية.. وكيف وقف رجال الدين والمجتمع والقانون والدولة ضد هذه الانحرافات الوافدة، بينما هاجت بعض منظمات حقوق الإنسان الغربية مدافعة عن هذه الانحرافات، بدعوى الحرية الشخصية وحق التعبير عن النفس. ونسى هؤلاء ما أدت إليه هذه «الحرية المنفلتة» فى الغرب من دمار روحى ونفسى وجسدى لشبابهم، فانحرفوا عن جادة الصواب، وملأوا السجون، وارتفعت معدلات محاولات الانتحار لديهم!! إن الحرية شىء جميل، ينمى فينا روح الانطلاق والنمو والإبداع، ولكنها يجب أن تكون حرية «ملتزمة» يضبطها إلهنا العظيم وأدياننا وتقاليدنا الاجتماعية.
ومنذ سنوات فى دراسة لرئيس بوليس مدينة «لوس أنجلوس» بأمريكا، لاحظ أن نوعًا معينًا من الجرائم كان معدله يزداد فى الساعة التالية لعرض مسلسل تليفزيونى معين، حيث كان أحد المجرمين فيه يتخلص من ضحاياه بهذه الطريقة!
لاشك أن سلوك الشباب يتأثر كثيرًا بما يشاهده على الشاشة، سواء التليفزيون أو مواقع التواصل الاجتماعى بأنواعها المتعددة. والكثير من النقاد اعترضوا على بعض المسرحيات الفكاهية لما أحدثته من أثر سلبى على الشباب.
حفظ الرب بلادنا وشبابنا من الانحرافات.
* أسقف الشباب العام بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية
نقلا عن المصرى اليوم