بقلم :  خالد السنديونى

لا أعرف حقبة في تاريخ مصر تعرضت فيها الشخصية المصرية لما تتعرض له الأن ، كانت الجيوش والغزوات تأتي من كل اتجاه وفي كل زمان لكنها كانت كالرياح التي تمر على أشجار قوية ضاربة في عمق الارض فما تكاد تمر حتى تعتدل قامات تلك الاشجار وكأن شيئا لم تكن ،
وطبقة فوق أخرى راكم هذا الشعب العظيم حضارته وتراثه وفنونه من الفرعونية التي هي بحق فخر الحضارات الانسانية في الفن والبناء والتي يعود لها الفضل دون غيرها من الحضارات في اكتشاف التوحيد إلى المسحية التي انارت العالم بتسامحها واسكندريتها الجامعة إلى الاسلام بعلمائه الذين ملؤا الدينا بنور العلم ومهدوا لعصر النهضة في أوروبا .


ومن أهم المقومات التي ساعدت هذا الشعب على البقاء هو تدينه وإيمانه بالله ، كما أن معتقد معظم أهله كان قد إستقر منذ قرون طويلة مؤمنا بالله وبالاسلام الذي ارتضاه لنفسه وبمحمد رسولا ، بينما تمسك قسم من أبنائه الكرام بمسيحيتهم ، وصار الاسلام مكونا رئيسيا من مكونات حياته الروحية وتغلغل في جميع مناحي حياته بل أن هذا الشعب كان المنارة المشعة على العالم بأزهره ومعلميه ومجتهديه حاملاً على كاهله – دون غيره من الامم ــ نشر الاسلام الوسطي السمح المعتدل في العالم كله ، كما كان الصخرة التي تحطمت عليها الغزوات التترية والصليبية - دون غيره من الامم - منقذا العالم الأسلامي بأكمله حتى تلك التي كانت مهداً لرسالة الاسلام نفسه ومهبط الوحي .


في تلك الازمان كان يعيش مسلمون هم مضرب المثل حتى تاريخنا الحاضر في العدل والرحمة والتسامح والإحتفاء بالعلوم والأداب .
تتعرض الشخصية المصرية الان لموجة غريبة من التصحر والتحجر الديني من جماعة ينسبون أنفسهم إلى السلف ( صحابة الرسول ) وهم منهم إبرياء يطلّون علينا في التلفاز طلة منتصر على مهزوم ، طلة من يملك الحقيقة المطلقة ، طلة مستفزة لكل أطياف المجتمع ، ترتكز دعوتهم على تكفير الأخر وعلى تغييب العقل وتقديس الطقوس والشكليات ونفي المرأة خلف نقاب ماعرفته المصريات من قبل بما يهدد بمسخ الطابع المدني المتفتح للمصريين وطريقة عيشهم ..
طريقة العيش التي ألفنا عليها آبائنا وأمهاتنا دون تفريط أو تبذل والتي أعطت لمجتمع وادي النيل شخصيته وجماله .
إنهم يهددون المجتمع بضحكات صفراء لم تكن لتجد طريقها إلا إلى قلوب فظة غليظة ، قلوب تبحث في الروايات الضعيفة والكتب الصفراء المهجورة عن مبرر لتكفير المسلم و القبطي معاً وطمس الحياة المدنية بفنونها وإبداعاتها وتفسيخ نسيج المجتمع وذلك بأدبيات غرست غرساً في قلوب الجهال وضعاف النفوس ولانعرف كيف فسروا الأية الكريمة " ولو كنت فظاً غليظ القلب لإنفضوا من حولك " صدق الله العظيم


وإن كانت السنوات الثلاثون الماضية قد هيئت البيئة الخصبة لهؤلاء في التمدد داخل العشوائيات فإن الأمر تغير الأن في مصر الثورة وقد بات هؤلاء على أعتاب البرلمان باعداد مقاعد ليست بالقليلة وبالطريقة التي استقطبوا بها الاتباع مستغلين جهلهم وأن هناك من يهدد المادة الثانية من الدستور والتي حشدوا من أجلها جمعتي قندهار 1 وقندهار 2 ، استطاعوا بتزييف وعي الناخبين وبلعبة الجنة والنار أن يحصدوا هذا العدد من المقاعد وسوف يتكرر هذا في المرحلتين الثانية والثالثة من الانتخابات .
إن قوة التشريع تقترب من ايديهم بقرب دخولهم إلى البرلمان وإن تحول الإخوان للتحالف معهم ( على ما نظنهم عليه من إعتدال ) سقطت مصر إلى الابد وتغيرت ملامحها ، ولانريد ان نستيقظ يوما يوما فنجد أنفسنا في بلاد تشبه افغانستان أو الصومال يابسة خرابا وإن تعالى التكبير والتهليل ،
إن مصر مهددة هذه المرة بأمواج رملية سوف تأكل خضرة الوادي وتترك زرعه ذابلا ، إن لم نقف وقفة واضحة وحاسمة وأؤكد على مايلي من منطلق المسؤولية التاريخية وحبي وخوفي على وحدة بلادي وعلى مسيحيها قبل مسلميها وخصوصيتها وتفردها بين الأمم بالطيبة والتسامح ومن منطلق الخوف على مستقبلها ومايراد بها .


1ـ أطلب من الأزهر أن يعلن موقفه الواضح من هذا الفكر المتشدد وأن يضع برنامجاً مدعوماً طويل الامد من الحكومة لمحاربة هذا الفكر في كل مسجد وفي كل زاوية .
2ـ أن يعلن هؤلاء وكشرط لدخولهم البرلمان تعهدهم وإلتزامهم بما يفتي به الازهر الشريف وأنه الجهة الوحيدة في مصر المصرح لها بالفتوى .
3ـ أن تضمن القوى الحاكمة للبلاد ( المجلس العسكري ) في الدستور القادم مدنية الدولة وعدم تغير هويتها " المصرية " وأقول هويتها المصرية لأنه ليس لمصر هوية أخرى .
4ـ أن يتحد الكتاب والمثقفين والفنانين للحفاظ على هوية مصر المدنية المنفتحة على التقدم والعلم وليس الجهل والتشدد الذي وله زمانه بالخروج بعروضهم وندواتهم وقوافلهم من العاصمة إلى الارياف وصعيد مصر ( كما فعلت ساقية الصاوي مؤخرا) لمحاربة هذا الجهل الذي يتفشى يوما بعد يوم .
وحفظ الله مصر وحفظ وحدة مسلميها وأقباطها