سحر الجعارة
هل آن الأوان أن نلطم الخدود ونشق الجيوب ونشنق أنفسنا فى ميدان عام، لأننا حاربنا تيار «السلفية التكفيرية» دون أن يكلفنا أحد ودون سند أو «غطاء رسمى»، وتعرض بعضنا للسجن كما تعرضت أنا للدعاوى القضائية، ولاحقتنا حملات التشهير والاغتيال المعنوى والتكفير.. لأننا خضنا معركة الحرب على الإرهاب - كما فهمنا- بتجفيف منابع الفكر التكفيرى؟.. هل آن الأوان أن نسلم سيوفنا «أقلامنا» ونجلس كما «الولايا» نلعن من كفّر الأقباط وحرّض على تفجير الكنائس والمساجد واغتيال الأبرياء من الجيش والشرطة وحتى المرضى؟.
هل آن الأوان أن نعترف بأن الدولة مخترقة، وأن سوس التعصب ينخر عمودها الفقرى وسرطان «الإرهاب الفكرى» يسرى فى شرايينها، فنكف عن نشر التنوير ورفع راية الحريات والدفاع عن أطفالنا ضد «السعار الجنسى».. ونقول: (أدينا واجبنا لكن بيننا من يطلق الرصاص على رأسه قبل رؤوسنا)!!.
السيد الدكتور «مختار جمعة»، وزير الأوقاف: لقد كنا خلفك فى معركة «الخطبة المكتوبة»، دافعنا عما آمنا به وسميتموه «ميثاق المنبر»، ليكون المنبر (منارة فكر واستنارة، وسبيل الوسطية والتسامح، ولا يمكن وينبغى ألا يكون عامل هدم أو تخريب أو إفساد أو تحريض، أو أن تختطفه جماعة أو حزب، أو أن يستغله شخص لمصالحه الخاصة، أو يوظفه لخدمة جماعة أو نشر فكرها أو أهدافها).. وكتبنا كثيرا ضد «الأحزاب الدينية» التى تعد الذراع السياسية للتيار السلفى «رغم تعارض وجودها مع الدستور». كنا هنا - يا سيدى - وقت أن هاجمت الداعية الأزهرى «عبدالله رشدى»، عقب تكفيره للأقباط، وقلت نصا: (هل يريد عبدالله رشدى وأمثاله أن يجعلوها حرب عقائد؟!، نحن لا نقبل ذلك).. كنا نكتب نؤازرك ونشيد بموقفك عقب منعه من الخطابة.. فما الذى تغير؟.
عاد «رشدى» بحكم قضائى، وهو أمر لا يجوز التعليق عليه، لكن المصيبة تحولت إلى كارثة بصدور التصريح بالخطابة لعدو الأقباط والبشرية «ياسر برهامي»، نائب رئيس الدعوة السلفية، مع وضع «ضوابط» أشبه بخيوط حريرية لا تقيد أحدا.. فهل وصلتكم حالة الغليان التى أصابت أقباط مصر ونخبتها وبسطاءها؟. الصدمة التى فجرت الغضب المكتوم لم تبتلعها فكرة إرسال وزارة الأوقاف قوافل دعوية من شباب الأئمة المتميزين إلى مدينة العلمين ومنطقة الساحل الشمالى طوال فترة الصيف، وهو ما تحول إلى نكتة سخيفة نالت من «الكوميكس» والسخرية الكثير.. لأن «أجندة الأولويات» معكوسة.
فوزير الأوقاف الذى قال: (إن الدولة تعمل على ترسيخ مبدأ المواطنة المتكافئة بداخلها، ولا يحدث هذا بجرح إحساس الأشقاء المسيحيين).. أعاد «برهامى» الذى قال عن الأقباط: إنهم (أقلية مجرمة معتدية ظالمة كافرة تعتدى على حق الأغلبية)، ولن أزيد حرصًا على مشاعر إخوتنا الأقباط، لكنه جرائمه موثقة بالصوت والصورة و«اليوتيوب» لا ينسى.. واليوم يعود ليصبح التكفير ممهورًا بختم النسر!.
صحيح أن «برهامى» لم يعتل المنبر، وأن هناك بلاغا للنائب العام ضد الشيخ «محمد خشبة»، وكيل وزارة الأوقاف بالإسكندرية، لإصداره تصريح أداء خطبة الجمعة داخل مسجد الخلفاء الراشدين لـ «ياسر برهامى».. لكن الرصاصة انطلقت من مكمنها، واستعاد إسم «برهامى» مصداقيته المفقودة، وأعاد إلى الأذهان جرائمه «ضد الإنسانية».. تذكرنا طفلة البامبرز «جانا» التى اغتصبها شاب ربما استمع لفتوى «برهامى- الطبيب» الذى أفتى بزواج الطفلة فى عمر الثالثة، وحكم على المرأة أن تكون مجرد أداة لمتعة الرجل، وأفتى بحق الرجل فى اغتصاب زوجته فى الفراش، وحلل ما حرمه الله بفتوى معاشرة «الزوجة المستحاضة».. إلخ. خزعبلات التيار السلفى الذى يتزعمه!.
وطبقًا لـ «مؤشر الفتوى العالمى» الذى يترأسه مفتى الديار المصرية الدكتور «شوقى علام»، تتطابق فتاوى السلفيين مع فتاوى الداعشيين فى كثير منها.. هذا ما سمحتم بنشره من على المنابر يا سيادة الوزير!.
المهزلة أن مادة «ازدراء الأديان» فى القانون لم تُفعّل إلا ضد المبدعين، ولم تحمِ أقباط مصر من التطاول والطعن فى عقيدتهم والتحريض على «استحلال» أموالهم وأرواحهم وأعراض بناتهم وانتهاك دور عبادتهم.. ويُفترض أن الحكومة (ملهاش ذراع يتلوى).. لكن «ثقافة داعش» أقوى من القانون ومن هيبة الدولة ومن تغلغل السلفيين بين ضلوعنا.
لقد خسرنا الرهان، لن نحارب «طواحين الهواء» بعد اليوم، المجد للفاشية الدينية!.
نقلا عن المصرى اليوم