برع المصريون القدماء في علم التحنيط الذي لم يتم التوصل إلى جميع أسراره، أو إتقان طريقته حتى الآن، ونرصد طريقة وخطوات تحنيط جثامين ملوك الفراعنة والأشراف منهم وهي:
- تنقل الجثة إلى معمل التحنيط، والذي يسمى "بيت التطهير" (بر وعبت) أو "البيت الجميل" (بر نفر) حيث تنزع ملابسها، ثم توضع على لوحة خشبية لإجراء العمليات الجراحية لاستخراج المخ، الأمر الذي يتم عادة عن طريق الأنف، وربما عن طريق الثقب الأعظم بواسطة قضيب ملوى من النحاس أو البرونز على شكل ملعقة، وفى كلا الحالتين كان المخ يهتك بسبب ضخامة حجمه، وضآلة فتحة إخراجه ، والعملية رغم أنها شاقة فهى ضرورية، لأن المخ من أوائل الأنسجة التي تتعفن بعد الوفاة.
- تستخرج الأحشاء الباطنية عن طريق شق في الجانب الأيسر من البطن، ثم تستخرج الأمعاء والكبد والطحال، أما الكليتان فتتركان عادة في مكانهما، ثم يشق الحجاب الحاجز لاستخراج الرئتين، أما القلب وأوعيته الدموية فتترك مكانها.
- يغسل تجويف البطن والصدر بنبيذ البلح والتوابل، وهو إجراء لا يترك أثرا ظاهريا على المومياء.
- تغسل الأحشاء بعد تعقيمها، وذلك بوضع كل جزء منها في ملح النطرون الجاف على سرير صغير مائل، إلى أن يستخلص كل الماء الذي بها وتجف تماما، ثم تعالج بالزيوت العطرية، والراتنج المنصهر، ويتم لفها في أربع لفافات مستقلة توضع كل منها في بعض الأحيان في تابوت صغير من الذهب، أو توضع في أربعة أوانٍ تسمى (الأوانى الكانوبية) أغطيتها يحمل كل منها اسم أحد أولاد الإله حورس الأربعة وهي:
1_ الكبد يوضع في إناء غطاؤه على شكل (أمستى شكل الغطاء رأس آدمى).
2_ الرئتان توضع في إناء غطاؤه على شكل (حابى والغطاء على شكل قرد).
3_ المعدة في إناء على شكل (دواموت إف والغطاء على شكل ابن آوى).
4_ الأمعاء كانت توضع في إناء على شكل (قبح سنواف والغطاء على شكل صقر).
وأخيرًا كانت الأوانى الكانوبية توضع في صندوق للأحشاء، يعلوه أحيانا تمثال أنوبيس إله الجبانة والتحنيط.
- وكان الفراغان البطنى والصدرى يحشوان بمواد حشو مؤقتة من ثلاثة أنواع من اللفافات وهي:
1_ نطرون لاستخلاص ماء الجسم من الداخل.
2_ الكتان لامتصاص الماء المستخرج.
3_من الكتان أيضا ولكنها تحتوى على مواد عطرية لإكساب الجسم رائحة طيبة أثناء عملية التحنيط.
- يقفل مكان فتحة البطن بالخياطة، أو تختم بمادة راتنجية أو شمعية كما تقفل كذلك فتحات الفم والأنف والأذن والعيون، ولزيادة المحافظة على الملامح، كان المحنطون يغطون الوجه والفم والخدين بكتان مغموس بالنطرون والدهنيات.
- وكانت الفكرة الرئيسية للتحنيط هي تجفيف الجثة لمنع الميكروبات اللاهوائية من النمو على أنسجتها، ومن ثم كانت الجثة توضع بعد استخراج أحشائها وغسلها في كوم من النطرون الجاف، وربما ملح طعام جاف على سرير التحنيط، وهو سرير مائل من الحجر في نهايته فتحة صغيرة تؤدى إلى حوض تجمع فيه السوائل التي تستخرج من الجثة، نتيجة لعملية الانتضاح، وتستغرق هذه العملية سبعين يوما، يظل الجسم فيها مغموسا في النطرون، وذكرت تلك السبعين يوما على الآثار المصرية والنص هو (انت يامن مكثت سبعين يوما في المنزل الجميل، سبعون يوما راقدا في المكان سبعون يوما حدادا).
- وتستخرج الجثة بعد ذلك من النطرون، وتغسل بالماء، وتجفف بالمنشفات، وتغسل بسائل آخر مثل نبيذ التمر، وكانت الأصابع غالبا ما تصبغ بالحنة كما يحشى تجويفا الصدر والبطن بمواد مثل الأنسيون والمر والكاشية (خيار شبر) ومواد عطرية أخرى، فضلا عن الكتان أو الكتان المغموس في الراتنج، وبالنشارة المشبعة بالراتنج أو التراب والنطرون، ويضاف إلى ذلك بصلة أو بصلتان، ثم كانت تشد حافتا الشق البطني إلى جانب بعضهما، ويثبت على الشق لوح معدنى أو من شمع النحل على شكل عين حورس، ثم يثبت هذا اللوح المعدنى في موضعه على الشق براتنج منصهر لسد شق البطن وأحيانا كان الشق يخاط بخيط من الكتان.
- ويدهن كل جسم المتوفى بزيت الأرز، ودهانات عطرية أخرى، وكذلك كل سطحه بمسحوق المر والقرفة لإكسابه رائحة عطرة.
- وتسد فتحتا الفم والأنف والأذنين بقطع من قماش الكتان المغموس في الراتنج المصهور، أما العينان فكان يوضع بكل منهما قطعة من هذا القماش المشبع بالراتنج تحت الجفن، ثم تجذب الجفنان على الحشو لكي تبدو العينان غير غائرتين، وإنما في شكلهما الطبيعى في الحياة بقدر المستطاع، وفى عهد الأسرة الحادية والعشرون أستعملت العيون الصناعية وحشيت العضلات بالراتنج وبالكتان مع الراتنج للحفاظ على الشكل الظاهري أما القطران فقد أستعمل بعد ذلك وحده أو ممزوجا مع الراتنج.
- وتعالج الجثة كلها براتنج منصهر بواسطة فرشاة عريضة لإكساب الجثة صلابة ولسد مسام الجسم حتى لا تتعرض أنسجته لتأثير الرطوبة مرة أخرى ومن ثم لا تتمكن بكتريا التعفن من العيش على أنسجته.
- ويزين جسم المتوفى بالحلى المختلفة من الخواتم والأقراط والعقود والأساور والصدريات والتمائم المختلفة كما وضعوا في بعض الأحوال حزام من الخرز في وسطه دلاية على شكل صقر جاثم من الحجر العقيق الأحمر بحيث يقع فوق شق التحنيط كتميمة لحماية الشق ووقايته ثم يلف الجسم كله بلفائف من الكتان التي تلصق بعكسها بالراتنج المعطر ولفت جثة (توت عنخ آمون بستة عشرة طبقة من الكتان).
- تجرى على المومياء بعد انتهاء كل العمليات السابقة والطقوس التي تصاحبها عملية فتح الفم التي يلمس فيها الكاهن الأعظم فم المومياء بقضيب خاص ويقول له: "أنت الآن ترى بعينك وتسمع بأذنيك وتفتح فمك لتتكلم وتأكل وتحرك ذراعيك وساقيك أنت تحيا أنت الآن حى وقد عدت صغيرا مرة أخرى وستعيش إلى الأبد".