القس رفعت فكري سعيد
يظن البعض خطأ أن خطاب الكراهية ورفض الآخر يصدر فقط عن الأصوليين الإسلاميين والمنتمين لجماعة الإخوان المسلمين أو السلفيين، ولكن المؤسف أنه يصدر أيضًا من بعض الأصوليين المسيحيين، الذين يزعمون أنهم أتباع يسوع المسيح الذى دعا إلى الحب والسلام، ومن أمثلة خطابات الكراهية خطاب منتشر على «يوتيوب» لأحد كبار أساقفة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية- وبالطبع لن أذكر اسمه لأننى أناقش الموضوع بغض النظر عن الأشخاص- فى هذا الخطاب تحدث نيافة الأسقف المبجل عن أسماء الأشخاص، فقال: «إن هناك مَن يسمون أبناءهم بالأسامى الغريبة، ومن ضمن الأسامى اللى بتتسمى كتير دلوقتى اسم (مارتن)، و(مارتن) ده هو اللى خرب المسيحية، ليه الناس بتسمى (مارتن)؟ بلاش الأسامى اللى بتحمل ذكريات وحشة للكنيسة».
ولى بعض الملحوظات على ما قاله نيافة الأسقف المبجل، راجيًا أن يتسع صدر نيافته لها:
أولًا: إن المسيحيين فى مصر والعالم العربى يعانون من بعض خطابات الكراهية التى تصدر عن أصوليين مسلمين، وكان الأجدر بنيافته وهو يتأذى من مثل هذه الخطابات من الآخرين ألا يقع فى نفس الخطأ ويصدر عن نيافته خطاب كراهية لا يقل خطورة عن خطابات الكراهية التى تصدر من بعض الأصوليين المسلمين.
ثانيًا: يشترك نيافة الأسقف المبجل فى بعض اللقاءات الداعية إلى الوحدة بين الطوائف المسيحية، وكان الأحرى به أن ينأى بنفسه عن الهجوم على أتباع الطوائف الأخرى حرصًا على روح الوحدة والتعاون والعمل المشترك الذى يسهم بالاشتراك فيه مع الكنائس الأخرى.
ثالثًا: مارتن لوثر «1483- 1596» هو مُصْلِح ألمانى، وبفضله يحتفل العالم كل عام يوم 31 أكتوبر بعيد الإصلاح، حيث إنه فى 31 أكتوبر عام 1517م كتب أطروحاته الخمسة والتسعين، التى ندد فيها بصكوك الغفران والاستغلال السيئ للدين، وعلّقها على باب كنيسة وتنبرج فى ألمانيا، وعن هذا الفعل قال أحد المؤرخين: «راحت ترددات صوت مطرقة (لوثر) وهو يدق اللائحة فى باب الكنيسة تهدر كالرعد، موقِظة أوروبا من سُباتها الروحى، فانتشر إنجيل الإصلاح فيها ومنها إلى كل أنحاء العالم»، وكانت المرة الأولى التى استُخدم فيها مصطلح «الإصلاح الدينى» فى القارة الأوروبية عندما بعث مارتن لوثر خطابًا إلى الدوق جورج، طالب فيه بالإصلاح الدينى بقوله: «يجب القيام بإصلاح دينى عام للطبقات الروحية والزمنية»، وقد علق المؤرخ ول ديورانت على ذلك بقوله: «وقد أضفت هذه الكلمة على ثورة (لوثر) اسمها التاريخى»، وبدأت حركة الإصلاح الدينى بتأويل النصوص الدينية، وكان رائدها «لوثر»، الذى يستند إلى فكرة مفادها، كما يقول الفيلسوف المصرى الكبير، الدكتور مراد وهبة: «إنه لابد من تدمير ثلاثة أسوار إذا أُريد للإصلاح الدينى أن يبزغ:
السور الأول: مفاده أن السلطة الدينية تتحكم فى السلطة العلمانية، وتدمير هذا السور يعنى مساواة السلطة العلمانية بالسلطة الدينية، والسور الثانى: يدور على أن السلطة الدينية هى السلطة الوحيدة التى من حقها فهم النص الدينى، وتدمير هذا السور يعنى أن من حق أى إنسان أن يفهم، والسور الثالث: يدور على عصمة البابا من الخطأ، وتدمير هذا السور معناه أنه إذا أتى البابا فعلًا مضادًا لتعاليم الإنجيل، فمن واجبنا الوقوف فى صف هذه التعاليم، وبعد هدم الأسوار الثلاثة ينتفى حق البابا فى تأويل الإنجيل، ويصبح هذا التأويل من حق الكل، ومن شأن التأويل أن تمتنع الدوجماطيقية، فيصبح التفكير العلمانى مشروعًا».
رابعًا: يا نيافة الأسقف المبجل لقد كان لمارتن لوثر ومَن سبقوه ومَن لحقوه الفضل فى حدوث الإصلاح الدينى فى أوروبا، ولولا الإصلاح الدينى لما وصلت أوروبا إلى الحداثة والرقى والتقدم الذى نشاهده اليوم، لقد جاء الإصلاح الدينى نتيجة ما ساد كنيسة العصور الوسطى من فساد، ونتيجة ما انتشر فيها من شر، شمل رجال الدين وعامة الشعب، ومن ثَمَّ أشرق عصر الإصلاح، الذى فيه غزا العقل البشرى مختلف الميادين، وأصبح لا سلطان على العقل إلا العقل نفسه، وفى ذلك العصر ظهر المصلحون، وقال نبلاء الإنجيليين عبارتهم المشهورة: «we protest»، أى أننا نَحْتَجّ على الظلم، وعلى وضع القوانين الجائرة التى تعوق تقدم الفكر، ومنذ ذلك الوقت ظهرت كلمة «البروتستانتية»، التى ترمز إلى القيادة والريادة فى المناداة بحرية التفكير والتعبير وحرية الاعتقاد، هذه الحرية التى فتحت أمام العالم باب الحضارة والتقدم فى مختلف المجالات العلمية والثقافية والفنية، وأصبحت الحرية منذ ذلك الحين حقًا أساسيًا تكفله دساتير العالم المتحضر.
وختامًا يا أسقفنا المبجل ألا ترى معى أن شرقنا الغارق فى أوحال الأصولية وخطابات الكراهية والتعصب يحتاج إلى مارتن لوثر جديد؟!!.
نقلا عن المصرى اليوم