عادل نعمان
وزارة الأوقاف المصرية يوماً ما سنجد مكاتبها ومنتسبيها محشورين حشراً فى دواليب بيوتنا، مرصوصين بجوار ملابسنا، وعلى أرفف الثلاجات بجوار أكلنا وشرابنا، واقفين على دورات مياهنا، وينامون ليلاً بجوارنا على فراش واحد وتحت غطاء واحد، مشايخ الوزارة سيعلموننا كيف نلبس، وكيف نأكل، وكيف نقضى حاجتنا، وكيف نباشر ونضاجع نساءنا، ولن تتنازل الوزارة حتى تصل إلى ما تصبو إليه، «داعية لكل مواطن».
وزارة الأوقاف تقرر إرسال قوافل دعوية أسبوعية من شباب الأئمة المتميزين إلى قرى الساحل الشمالى ومدينة العلمين طوال فترة الصيف للإجابة عن استفسارات المصيفين، عن المايوه الشرعى، وعن البوركينى، ولباس السهرة الإسلامى، وشرعية ارتياد مطاعم الساحل، حتى غطاء السيارات العاريات المكشوفات، وكأن هؤلاء القوم ليسوا مثل باقى خلق الله، وليسوا هم أنفسهم سكان باقى المحافظات، أو ينقصهم فى دينهم الكثير يستوجب إتمامه، وطريقهم معوج وأعرج يلزم تقويمه، وحظهم من الفرح الكثير يستحق إنقاصه، ودرجة إيمانهم رقيقة ورفيعة يستدعى الأمر تسمينها وتغليظها، فربما تعيد النساء النظر ويتحولن من البكينى إلى البوركينى، ومن السفور إلى النقاب، والرجال يصيبهم نفس الهلع، فيحولون الشورت إلى السروال، ويطلقون اللحى مرة واحدة، وربما نزداد بركة ويترك هؤلاء أعمالهم وتجارتهم وصناعتهم، ويفترشون أمام المساجد يبيعون العطور والسواك، على صرخات سيديهات الشيخ كشك والحوينى وحسان، فتعم الفائدة على المسلمين.
وكان أولى وأنفع أيها السادة أن تتجه هذه القوافل إلى المحافظات التى تعانى الجهل والتطرف والإرهاب، مثلاً بعض القرى فى محافظة المنيا يدعون الناس فيها إلى العيش مع إخوانهم المسيحيين فى سلام وأمان، ويتركون الناس يصلون لربهم كما يحبون أن يصلوا، ويناجون الله كما يحب أن يسمع نجواهم، دون حجر أو منع، وهو شرط من شروط الإيمان، لا يكتمل إيمان المسلم إلا به، وهى دعوة خير وسلام ومحبة، فتعم البركة أنحاء البلاد، أو تتجه هذه القوافل إلى بعض القرى الفقيرة فى محافظة الفيوم ومنها تخرّج عتاة الإرهاب والتطرف، تنصحهم وترشدهم إلى صحيح الدين، وتدعو الناس إلى ترك فكر الجهاد والتكفير والعيش فى سلام مع الناس ومع الدولة، أو تتجه للقرى الأكثر فقراً وحاجة، التى تزوج أطفالها صغاراً، أو قلها بلا خجل، تتصرف فيهم بالبيع، فيضعون أياديهم المبروكة على أسباب المشكلة والمصيبة، ويساهمون فى حلها بالبحث عن عمل لهؤلاء، أو برفع توصياتهم إلى وزارة التضامن الاجتماعى والجهات المعنية، فيتعاون الجميع فى رفع المعاناة عن هؤلاء المحتاجين، أو تجعل وجهتها ظاهرة الغارمات وأسباب سجن هؤلاء النسوة، ومغالاتهن فى تجهيز البنات، ومنها إلى دخول السجن، ومحاولة تغيير هذا المفهوم لدى الأسر خصوصاً فى الأرياف، حتى لا نبنى بيتاً ونخرب آخر، أو نقيم بناءً ونهدم آخر.
هناك الكثير من الظواهر السلبية فى قرانا، لذا يحتاج هؤلاء الدعاة لإصلاح حالهم، وهم أولى الناس بالدعوة والنصيحة، فليس هناك فى الساحل الشمالى متطرف أو إرهابى أو قاتل، حتى لباس البحر برىء من حمل المتفجرات، والكاش مايوه لا يخفى تكليفات المجاهدين.
حقيقة السر وراء حشر أنوف رجال الدين فى كل أمور حياتنا الآن وبصورة ملحوظة، أن الناس قد قرروا اختيار الدولة المدنية نموذجاً للحكم، والعلم سبيلاً ومنهجاً للحياة، والعقل للمفاضلة بين البدائل واتخاذ القرار، والاستغناء تماماً عن هذا الفلكلور الذى أورثوه إيانا، وتنامى هذه الرغبة لدى الشباب وهم مستقبل الأمة، ولم تكن هذه الرغبة عارمة إلا بنجاح هذا النموذج فى إقامة حياة حرة كريمة لكل الناس لا فرق بين أبناء الوطن، ولا تمييز بينهم، وفشل النموذج الدينى فى إقامة العدل بين أبناء البلد الواحد، بل وضع بذور الفتنة بينهم، ما هدد بحروب أهلية وفتن وانقسامات حتى طالت أبناء الأسرة الواحدة، وأن الهاجس لدى مشايخنا أن يتم الاستغناء عنهم، وهو أمر وارد ومنطقى، أو على الأقل لن يكونوا فى بؤرة القرار والاهتمام والمفاضلة، أو صراحة على حافة الحكم والحاكم، وهو أمر مزعج أن يتنازلوا عن الريادة والصدارة، فشحذوا الهمم، وجمعوا الصفوف، وتراصوا جميعاً كالبنيان الواحد، وباتوا جميعاً فى مواجهة مع هذا التيار، وأعلنوا الحرب عليه، فإما النصر وإما الشهادة، وانتشروا فى كل مكان، محطات المترو، والشوارع والميادين، ومحطات الراديو، والقنوات التليفزيونية وأخيراً الساحل الشمالى، للتضييق عليه، واستقطاب البسطاء، وتقويض هذا المد والانقلاب عليه، إلا أن السيف قد سبق العذل، والأمواج تتلاحق والدولة المدنية ترفع راية النصر والحرية، ونقول لهم الزموا مساجدكم، وحافظوا على أموال الناس، واتركوا أمر الناس للناس وللقانون.
نقلا عن الوطن