عمرو حسن
سؤال يتردد بين الحين والآخر؛ إذا كانت مشكلة الزيادة السكانية عائقاً أمام التنمية والتقدم كما تقولون فى مصر، فكيف استطاعت دول مثل الصين التى تعدى عدد سكانها ملياراً و400 مليون نسمة، وغيرها من الدول أن تحقق هذا التقدم؟ توقفت أمام هذا السؤال كثيراً، وتعرضت له مرات عديدة بحكم عملى مقررا للمجلس القومى للسكان، فقررت أن أضع أمام القارئ فى سلسلة من المقالات، بعض الحقائق التى قد تكون غائبة عنه، والتطرق لبعض التجارب الدولية الناجحة فى مواجهة المشكلة السكانية، والتى ستقوده بلا شك إلى معرفة الإجابة.
الحقيقة التى أمامنا أن الصين تُعد أسرع اقتصاد نامٍ خلال الثلاثين سنة الماضية بمعدل نمو سنوى تخطى 10% ولكنه تقلص خلال الأعوام القليلة الماضية ليبلغ حالياً 6.9% تقريباً، وقد استطاعت بذلك تحقيق معجزة اقتصادية، واستطاعت خلال 30 عاماً أن تتحول من أفقر دول العالم إلى ثانى أقوى اقتصاد فى العالم .
هذا النمو الاقتصادى الرهيب الذى ساعد فى انتشال حوالى مليار نسمة من تحت خط الفقر وجعلهم يعيشون فى مستوى اقتصادى آمن، لم يحدث مصادفة، ولكنه قد حدث بفضل ما اتخذته الحكومة الصينية من إجراءات حازمة للحد من النمو السكاني.
فالصين التى أجرت أول تعداد سكانى لها فى عام 1953، رأت أن الزيادة السكانية أصبحت مشكلة أمام أى محاولة للتقدم الاقتصادى والاجتماعي، نظراً للنمو السريع فى عدد السكان مقارنة بالنمو الاقتصادي، فقد أيقنت الصين حينها، أن التنمية الاقتصادية وحدها، لن تكفى لتحقيق التقدم، فلابد من حل المشكلة السكانية.
فنموذج "الصين" كمثال للسؤال المطروح فى مقدمة المقال، بعيداً تماماً عن الحقيقة والواقع، وتحريفاً للكلم عن مواضعه، فجمهورية الصين الشعبية تعد من بين تلك التجارب الناجحة فى مواجهة المشكلة السكانية، فقد بدأتها بإرسال التعليمات من الحكومة لوزير الصحة وقتها، تدعوه إلى مساعدة الشعب فى مسألة تحديد النسل، وبدأت حملات واسعة للدعاية لوسائل منع الحمل، وبعد عام 1956 كانت نقطة تحول فارقة حيث أعلن الاتحاد الديمقراطى للنساء الصينيات استعداده القيام بحملة واسعة لتحديد النسل، بعد أن أعلن نائب رئيس الوزراء الصينى أن " الاستمرار فى إنجاب الأطفال بدون حساب أصبح أمراً غير مقبول".وفى نفس العام أعلن رئيس الوزراء الصينى قائلاً " إننا نؤيد تنظيم عملية التكاثر حماية لصحة الأطفال والنساء من أجل تربية وتثقيف الجيل الصاعد ورفاهية أمتنا".
وقد تطورت السياسات السكانية عبر حملات أربعة، الأولى بين عامى 1956 – 1958، والثانية بين عامى 1962 -1966، والثالثة عام 1971 تحت شعار" أجل طول قلل" بمعنى تأجيل الزواج ليكون فى أواخر العشرينات، وإطالة الفترة بين إنجاب الأطفال، وإنجاب عدد قليل من الأطفال فى حدود طفلين للأسرة .
وما لبثت أن رأت دولة الصين بعد مرور عشرين عاماً ،أن هذه الحملات الثلاثة لم تحقق ما تصبو إليه، من تحقيق التوازن بين السكان والتنمية، ورأت أن بناء الاقتصاد الصينى وتحقيق التقدم، لن يحدث، إلا إذا اكتفت الأسرة بطفل واحد، فبدأت حملتها الرابعة وهى حملة" أسرة الطفل الواحد"، ثم أصدرت قانون السكان وتنظيم الأسرة فى عام2001،ولجأت إلى تطبيق حوافز إيجابية وأخرى سلبية لتفعيل القانون وضمان تأثيره.
ولعل أهم ما ساهم فى نجاح التجربة الصينية ،هو تبنى سياسة الطفل الواحد لكل أسرة فى المدن والسماح بالطفل الثانى بعد سنوات قليلة من الطفل الأول فى المناطق الريفية، بالإضافة إلى إقرار الإجهاض كوسيلة من وسائل تنظيم الأسرة، وأخذها بالحوافز السلبية بالإضافة إلى الحوافز الإيجابية لضمان تحقيق هذه السياسة.
ومن أهم مؤشرات نجاح التجربة الصينية انخفاض معدل النمو السكانى إلى 0.5% عام 2008، والوصول بمعدل الخصوبة الكلى إلى 1,6% طفل لكل سيدة عام 2008، وارتفاع متوسط العمر المتوقع إلى 71 عاماً للذكور و75 عاماً للإناث عام 2008، بالإضافة إلى ارتفاع معدل استخدام موانع الحمل بين النساء المتزوجات فى سن الإنجاب إلى 90% عام 2008.
ومن أهم سلبيات" التجربة الصينية "كثرة عمليات الإجهاض نتيجة معرفة نوع الجنين قبل الولادة،فإذا كان أنثى يلجأ البعض إلى الإجهاض حتى يكون لديه فرصة إنجاب طفل ذكر، كما أدى كثرة الإجهاض إلى العديد من حالات الوفاة للأمهات بسبب قصور الخدمات الطبية المقدمة لعمليات الإجهاض، وحدوث خلل فى التوازن فى نسبة النوع.
إن مواجهة المشكلة السكانية وتداعياتها ليس أمراً مستحيلاً، فى ظل إهتمام القيادة السياسية بهذه المشكلة، وتكاتف كافة الوزارات المعنية ومؤسسات المجتمع المدنى، خاصة أن هناك تجارب دولية نجحت،فى مواجهة المشكلة السكانية، وخفض معدلات الإنجاب، ومن ثم بدأت شعوبها فى الشعور بنتائج خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
فنجاح بعض الدول فى مواجهة المشكلة السكانية يجب أن يكون مشجعاً ومحفزاً للمجتمع المصري، حتى يفعل سياساته وتحقيق المزيد من النجاحات أسوة بهذه المجتمعات، وأخذ بعض الإجراءات التى قامت بها هذه الدول وتنفيذها هنا فى مصر، بشرط ألا تصطدم مع عاداتنا وثقافاتنا وقيمنا الدينية.
وإذا نظرنا إلى واقعنا الحالى سنجد أن معدل النمو الاقتصادى الصينى يبلغ 6.9% ومعدل النمو السكاني0.43% أى أن نسبة معدل النمو الاقتصادى الصينى إلى معدل النمو السكانى تبلغ 16 مرة، بينما إذا نظرنا إلى مصر فمعدل النمو الاقتصادى وصل إلى أكثر من 5.6% مع توقعات بوصوله إلى 6.9% بحلول عام 2027،أى أن هناك تحسناً كبيراً فى معدل النمو الاقتصادى المصري، فى المقابل نجد أن معدل النمو السكانى 2.5% أى أن نسبة معدل النمو الاقتصادى المصرى إلى معدل النمو السكانى مرتان فقط، والسبب هنا فى التجربتين المصرية والصينية هو معدل النمو السكانى ففى الصين أقل من نصف فى المائة وفى مصر 2.5%، أى أن معدل الزيادة السكانية فى مصر خمس أضعاف الصين، وهذا هو الفارق، بينما معدل النمو الاقتصادى بين الدولتين يتقارب إلى حد كبير.
وطبقا لمكتب المرجع السكانى (Poulation Reference Bureau 2018 ) فإن عدد سكان الصين سوف يقل وعدد سكان مصر سيزيد فى الفترة من 2018 إلى 2050، فمن المتوقع أن عدد سكان الصين سينخفض 50 مليوناً وستصبح أعلى دولة فى العالم تحقق انخفاضاً فى عدد السكان فى الفترة من 2018 إلى 2050، وستنتقل لتصبح ثانى دولة فى التصنيف العالمى من عدد السكان بعد الهند التى ستحتل المرتبة الأولى، بينما فى مصر فإن عدد السكان، سوف يزيد 69.5 مليون ،لتكون سابع أعلى دولة فى العالم تحقق زيادة سكانية فى الفترة من 2018 إلى 2050.
نقلا عن اليوم السابع