الأقباط متحدون | "البرادعي" واحتفالات الشيعة بـ"الحسين"
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٤:٠٠ | الأحد ١٨ ديسمبر ٢٠١١ | ٨ كيهك ١٧٢٨ ش | العدد ٢٦١٢ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

"البرادعي" واحتفالات الشيعة بـ"الحسين"

الأحد ١٨ ديسمبر ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

 بقلم: أحمد صبح

لعلني لا أقصد إلى خلاف، ولكنني قصدت أن أُفسِح المجال، وأوسّع الحلْبة، فنستزيد ونستفيد، فيبديء الحق ويُعيد. ولعلني لا أقصد إلى خلاف، ولكنني قصدت أن أبيِّن أن القرن الواحد والعشرين له منطق مُلزم للجميع، وهو منطق حقوق الإنسان، وأن التفكير الذي نعاني منه- نحن دول العالم الثالث- قد تجاوزه العالم ليصنع التاريخ، ونحن في عصر العولمة، وإذا كان الدكتور "محمد البرادعي" أراه مُلهمًا للثورة المصرية، فإنني أرى اليوم اغتيالًا عن عمد لهذه الشخصية المصرية الجديرة بالاحترام، هذه الشخصية التي ترجح مصريتنا على دياناتنا أو مذاهبنا أو أفكارنا. وقد شدّني رأيه في حرية ممارسة الشيعة لبعض طقوسهم يوم "عاشوراء"، الأمر الذي جن فيه جنون الوهابية ومن يعمل لحسابها في "مصر"، ظانين أن المجتمع المصري سيقبل "السَعْوَدة"، وهذا أمر لا يؤيده التاريخ، ولا يثبت به منطق، ولا تقوم به حجة، وإلا فما الذي جعل الشعب المصري سني المذهب شيعي الهوى؟ ألم توجد أحياء مصرية كاملة باسم آل البيت في "مصر"، كـ"الحسين" و"السيدة زينب"؟ ألم يوجد في البيت المصري الواحد "عمر" و"فاطمة" و"حسين" و"أبو بكر"؟ إننا نسيج خاص لمن يريد أن يذّكر أو أراد حقيقة!.

 

إن الشعب المصري بجميع أجناسه وطوائفه متجانس في تركيبه، بل إن أرض "مصر" كلها حرم آمن مثل "مكة" سواء بسواء، واقرأوا إن شئتم "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين"، وفي "مكة" يقول القرآن: "لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين"، فالأمن في ربوع "مصر" معلَّق على المشيئة كما في "مكة" معلَّق أيضًا على المشيئة!.

 

وإن كانت جميع طوائف الإسلام تتفق في الأصول؛ من الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، فلماذا تشغلنا الجزيرة الصغيرة عن النهر العريض؟ ولماذا تشغلنا الشجرة الواحدة عن الغابة الكثيفة؟ لماذا تحاول الوهابية ومن يعمل لحسابها في "مصر" تجزئة المجتمع المصري الذي هو أكبر من مجموع الأجزاء، من المسلمين والأقباط وطوائفهما؟.

 

ولا يفوتني وأنا رجل سني مكثت في سجون النظام السابق لأكثر من خمسة عشر عامًا دون تهمة، فلا مزايدة اليوم علينا من أناس حرّضوا على حبسنا وقتلنا وتعذيبنا باسم طاعة ولي الأمر، ثم هم اليوم يرفعون أصواتهم باسم الثورة التي لم يشاركوا فيها، بل يعتبرها بعضهم حتى الآن فتنة! والأهم من ذلك أن الثورة لم تقم تحت شعارات إسلامية أو طائفية، بل قام بها شباب مخلص واع مبتكر، رفع رأسنا وأخرج بقيتنا من السجون، وأتاح لنا الفرصة للتعبير عن أنفسنا وتقديم أفكارنا للجماهير المصرية في أجهزة الإعلام. فلكل من شارك في الثورة وابتكر شعاراتها مزيد المحبة والفضل. فيا دعاة التفكيك الآن، هل تذكرون "ارحل"، و"الشعب يريد إسقاط النظام"، و"كلنا خالد سعيد"؟.. هذه كانت شعارات ثورة "مصر" المباركة، والتي أخرجت من السجون المئات والآلاف، وعلى رأسهم الدكتور "عصام العريان"، و"حسن مالك"، والمهندس "الشاطر". فلماذا تعودون بنا إلى الوراء في شكل حرب استنزاف لطاقات وأفكار المجتمع عن طريق فتاوى لا تتوافق مع عصرنا؟ أو البحث في التاريخ عن قضايا لم نُخلق لها ولم تُخلق لنا؟ الأمر الذي يصيب الشعب المصري بالإحباط، ثم بعد ذلك تغتالون رموز الثورة كالدكتور "البرادعي"- صاحب ابتكار المليونية لإسقاط "مبارك"- أو الحرب الشعواء التي تدقون طبولها هذه الأيام ضد رموز طوائف معينة كالشيعة والصوفية تحت شعار البحث عن تماسك المجتمع، علمًا بأن إثارة قضايا معينة مثل المسلمات الجدد، والحديث عن الجزية، وهدم الكنائس، وإقامة الحدود، وهدم الأضرحة.. كل ذلك في حروب استنزاف القصد منها تكوين ثورة مضادة لإسقاط الثورة المصرية. ولكن أبشِّركم بأنكم تنتمون إلى الماضي بليله الدامس، والثوار ينتمون إلى المستقبل بفجره المضييء، فلن نؤمن لكم، قد نبأنا الله من أخباركم.

 

إنني كرجل سني أعترف لكل طائفة بممارسة طقوسها بحرية كاملة، مادام ذلك لا يتعدى النظام العام والآداب للشعب المصري، والذي لا تحدِّده طائفة معينة تدَّعي الأستاذية على الجميع في البناء والتشييد. ومن هنا فأنا أؤيد الدكتور "محمد البرادعي" في رؤيته بأن الحالة الطقوسية هي من صميم الحرية، ولأن الإسلام تجاوز ذلك إلى الرابطة النفسية فقال: "إنما المؤمنون أخوة". ولا يفوتني في ذلك أن أذكر أن يوم "كربلاء" وإن كان بغروبه انتهى كل شىء، فقد بدأ أيضًا بالدروس في كل شىء، ولن آخذ دروسه من دولة قتلت آل البيت واستمرت بأجهزة إعلامها في تشويه صورة آل البيت لمدة أكثر من ستين سنة على منابرها باللعن لآل البيت، والذين لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق- أقول: انتهى اليوم الرهيب بآلامه وأمجاده، ليبدأ من جديد بدروسه وحصاده، وصحيح أن الذين شاركوا في قتل وقتال "الحسين" لقوا حتفهم على أبشع الصور وأشدها مذلة وهوانًا كلهم، من "ابن زياد" إلى "شمر بن ذي الجون" إلى آخر واحد من الذين تحمسوا للباطل ووقفوا من ابن بنت رسول الله موقف التحدي والعدوان، فليس فيهم من مات ميتة رجل، وكأنما كانت هذه أولى بشائر دعوة "الحسين" عليهم حين صاح فيهم وهو صامد وحده وسط سيوفهم ورماحهم قائلًا: "إني لأرجو الله أن يكرمني بهوانكم".. كلهم قُتلوا وديست جيفهم بالأقدام، ماعدا "يزيد" الذي ضن عليه القدر بأن يذهب قتيل ثورة أو مقاومة، إذ أن ذلك كان سيضعه إلى حد ما في كفة مقابلة لـ"الحسين"، كان الناس سيتحدثون أن داعية الحق قُتل استشهادًا، وأن ملِك بني أمية قتل عقوبة وقصاصًا.. هذه المقابلة قد تجعل منه على صورة ما ندًا أو كفؤًا، الأمر الذي صمَّم القدر على حرمانه منه، فتركه يعيش أربع سنوات تعيسًا مفزعًا، ثم يموت في بأس وهوان وخذلان ونسيان.

 

فليس لمقتل أولئك الأشقياء شأن يرتفع إلى مستوى ذلك الحصاد، ولا يكفِّر عن دماء الرجال بدماء الأنذال، وأول ما نلقى من الدروس أن جذوة الحق والصمود التي أضاءها "الحسين" وأصحابه بدمائهم لم تنطفيء ولم يخب نورها باستشهاده، بل ازدادت تألقًا واندلاعًا على نحو يبهر الألباب.

 

فـ"الحسين" حين خرج إلى "الكوفة" لم يكن طالب دنيا ولا جاه، وإنما كان مستجيبًا لسلطة الإيمان الذي لا يعصى ولا يغلب، ولقد رأى الإسلام بكل قيمه الغالية وأمجاده الغالية يتعرَّض لمحنة قاسية يفرضها عليه بيت "أبي سفيان"، فقد رأى خطيئة الصمت والسكوت تجتاح الناس رغبةً أحيانًا ورهبةً أحيانًا. كانت بيعة "يزيد" دعمًا لسلطان الجاهلية على حساب الدين، بل دعمًا لسلطان القبيلة والأسرة على حساب الأمة. هكذا صارت مقاومتها دعمًا لسطان الدين والأمة معًا. إن "الحسين" وإن فاته دعم سلطان النظام العام عن طريق الخلافة التي لم يكن له من أمرها شيء، فإنه لم يتخل عن واجب دعمه في الضمير عن طريق التضحية والصمود والفداء.

 

إن "الحسين" وأباه عليًا كانا يمثلان روح التقدم وضميره، بينما كان الآخرون من بني أمية بتحويلهم الدين إلى مزرعة أموية، والخلافة إلى مُلك يحتكرونه ويتوارثونه، والسلطة إلى سوط، وبإشاعتهم النزعة القبلية بعد أن أذابها الإسلام في وحدته الصُلبة، كانوا بذلك كله يمثلون الرجعية المنتكسة إلى عادات الجاهلية وتقاليدها!.

 

إن الدرس الذي أراد القدر أن يقوله لنا، ومن فوق منصة "كربلاء" الشاهقة، إن الباطل وإنْ أحرز الانتصارات الرخيصة، فإن المثوبة العظمى للتضحية وقداسة الحق، وشرف الحياة وشرف الإنسان. ومادامت التضحية شرفًا، فيجب أن نصرف النظر عن الشكل الذي يفرضه عليها الاضطهاد والبغي. فالتضحية ليست حفلًا ساهرًا بل مهرجان للحق بالغ الروعة، وكأن التضحية عيد نادر المثال.

 

إن المسلمين يحتفلون كل عام بعيد الأضحى ويسمونه العيد الأكبر، فماذا كانت مناسبة العيد في التاريخ؟ كانت التضحية ولا شىء سواها، فالخليل كان طريقًا للقدر ليلقِّن البشرية دروسًا في تقديس مشيئة الله وتلبية ندائه وأمره بذبح ابنه "إسماعيل"، فسارع من فوره وشحذ سكينه وتلّه للجبين، وفي اللحظة الباهرة فداه الله بكبش عظيم. فهل اتخذ الإسلام ذلك عيدًا لأن الله افتدى "إسماعيل" بذبح عظيم؟ كلا، فلقد كان سيحتفل بها لو انتهى الأمر إلى أن يكون "إسماعيل" الذبيح والقربان.

 

إن الإسلام يحتفل بمضمون الموقف وجوهره، وهو التضحية بأعز شىء وفي سبيل رب كل شىء وإله كل شىء؛ لذلك كان موقف "الحسين" عيدًا عندما رفض وأهله الباطل واختاروا الحق، ثم رفضوا الصمت واختاروا المقاومة، ثم رفضوا المساومة، وصمدوا مع إيمانهم في جلال المفتدين وإخبات المتقين، فلن تصرفني مأساة الموت عن عظمة الشهادة، ولا يشغلني مأتم الأرض عن انبهار السماء، وإذا كان جسد البطل دفن في "كربلاء"، فإن رأس الشهيد قد راحت البقاع الإسلامية تتنافس إدعاء شرف إيوائه، فيدعي كل منها أن الرأس يعطر أرضها ويبارك حماها، وهو أمر يتسق مع حياة البطل ومصيره، فلا عجب أن يحتفل أحبة "الحسين" باستشهاده، فسلام على "الحسين"، وشكرًا للأحرار مثل "البرادعي".




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :