عبد المنعم بدوى
أعترف بأننى لم أشعر بدهشه أو صدمه عندما أعلن ان عمر البشير الرئيس السودانى أعترف امام المحكمه إنه تلقى مبلغ 90 مليون دولار من الأمير محمد بن سلمان ولى عهد السعوديه ، وكانت ضمن مبالغ نقديه قدرها 113 مليون دولار ، تم العثور عليها فى منزل البشير عند القبض عليه .
مصدر عدم الدهشه أو الصدمه أن هؤلاء الروؤساء يؤكدون دائما على نظافة أياديهم وتحليهم بالصدق والأمانه والشرف ، ويفتخرون بمحاربة الفساد ومعاقبة أى مرتشى مهما كان وضعه ، وهم فى الحقيقه غير ذلك تماما .
وبهذه المناسبه أحكى لكم عن واقعة رشوه قدمت للرئيس عبد الناصر :
فى عام 1955 كان النهج الثورى الذى سلكه جمال عبد الناصر يمثل خطرا داهما على مصالح أمريكا وأسرائيل فى المنطقه ... وقد أدرك جمال عبد الناصر ذلك من خلال محاولات أمريكا العمل على ضرورة إيقاف هذا الدور القومى لمصر عن طريق الترغيب فى تدعيم الأقتصاد المصرى بهدف أستئناس هذا النظام .
وقد حاولت أمريكا إختراق الذمه الماليه لجمال عبد الناصر بأن تلقى حسن التهامى مستشار الرئيس من مايلز كوبلن كبير ضباط المخابرات الأمريكيه فى منطقة الشرق الأوسط دعوه للقاءه بمفرده فى جناحه بفندق سميراميس لأمر هام ... وأستقبله مايلز كوبلن أستقبالا حارا ، أخبره فيه عن رغبة أمريكا فى مساعدة مصر ، وبعد فتره وجيزه استأذن منه ودلف االى حجره داخليه ، وعاد مره أخرى وفى يده حقيبه متوسطة الحجم وسلمها لحسن التهامى بعد فتحها أمامه ليطلعه على مابداخلها ، وكان مبلغ مالى كبير ( حوالى مليون دولار ) وهو مبلغ كبير جدا بمقاييس ذلك الوقت ، وكرر له أن يسلمها للرئيس عبد الناصر دون أن يعلم أحد .
وما أن وضع حسن التهامى الحقيبه بجانبه ، وهو يقود سيارته عائدا الى منزله ، أخذ التوتر ينتابه ... وبدأ يساءل نفسه : لماذا تسلم الحقيبه ؟ وماذا سيكون رد فعل عبد الناصر ؟ هل سيقبلها ؟ أم سيقدمنى للمحاكمه ، أو سيفقد ثقته فى شخصى ؟ أم سيكلفنى بإعادة الحقيبه لصاحبها مرة أخرى ؟ ... وقال لنفسه هذا المبلغ بالتأكيد رشوه لأنه لو كان مساعده لمصر كما أدعى كوبلن لكان تم من خلال القنوات الدبلوماسيه المعروفه درءا لشيهة الرشوه ... لكنه تم بطريقه سريه مستتره .
كان رد فعل جمال عبد الناصر قبول المبلغ ، وتسليمه للمخابرات العامه المصريه وتكليفهم ببناء برج القاهره بقيمته ، وهو يعد الأن من أبرز معالم القاهره التاريخيه والحضاريه ... وكان هذا التصرف بمثابة قول " لا " للحكومه الأمريكيه لمحاولة رشوة رئيس مصر ، الذى حول الرشوه الى رمز لعزة وكرامه مصر وأستغلها فى بناء برج القاهره .