«فهو ذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبنى»، هكذا قالت العذراء مريم حسب إنجيل لوقا، وتمر العصور ولا تزال القديسة مريم تحتل مكانة متفردة فى قلوب المؤمنين، ولا تقتصر هذه النظرة وهذا التعلق بالمسيحيين فقط، فهى ملاذ للمؤمنين يذهب إليها مسيحيون ومسلمون من كل أنحاء العالم طالبين بركتها والتشفع بها، فهى «الممتلئة نعمة» و«أطهر نساء العالمين»، ومع بداية صوم السيدة العذراء مريم يكثر المريدون ويتوافدون على كنائسها طالبين شفاعتها وملتمسين بركتها.
«القديسة العذراء مريم محبوبة عند عامة الشعب مسيحيين وغير مسيحيين» يقول القس باسيليوس صبحى، كاهن كنيسة السيدة العذراء بالزيتون، ومدرس تاريخ الكنيسة، ويشرح أن من واقع خدمته فى كنيسة السيدة العذراء بالزيتون يستقبل يومياً زائرين مسيحيين وغير مسيحيين يصلون أمام أيقونة السيدة العذراء ويشعلون الشموع ويوفون بنذورهم، مشيراً إلى أن هناك اعتقاداً عاماً بأن السيدة العذراء مريم تقدم كل معونة للمتشفعين بها، وأنه يرى الكثيرين يذهبون للكنيسة للوفاء بنذورهم ويسردون حكاياتهم واستجابة طلباتهم.
كاهن "الزيتون": السيدة مريم استطاعت أن تكون أماً لكل طالبيها من جيل لجيل
ويؤكد كاهن كنيسة العذراء بالزيتون، فى حديثه أن العذراء مريم استطاعت من جيل إلى جيل أن تكون أماً لكل طالبيها، فنشأت علاقة روحية بينها وبين المؤمنين ما يجعلنا نفهم أسباب شعبية «صوم العذراء» حيث يعد الصوم الأكثر شعبية فى الكنيسة فرغم أنه مقرر ليكون خمسة عشر يوماً فقط، فإن هناك من يزيد عليه أسبوعاً بل وهناك من يمده لشهر كامل، وتختلف النذورات فى هذا الصوم بين إطالة مدة الصيام أو منع أكل الأسماك ومعاملة الصيام كأحد صيامات الدرجة الأولى، فضلاً عمن يصومونه بـ«الماء والملح» فلا يأكلون أطعمة يدخلها الزيت أو أى طعام مطبوخ.
أما عن النذور، يوضح أستاذ التاريخ بالكلية الإكليريكية، أن النذور موجودة فى الكتاب المقدس من العهد القديم، ولا ترتبط بصوم العذراء، لكن نظراً لشعبية الصوم فتكثر فيه النذور لكن علاقة العذراء بالشعب هى واقع يومى يشهده من خلال زائريها، فالشفاعة كعقيدة موجودة فى الكنيسة الأرثوذكسية استناداً على الآية القائلة «أكرم الذين يكرموننى».
وكتب معجزات السيدة العذراء مريم تعج بها الكنائس، لكن الطلبات المستترة التى ترافق كل من تشفع بها تبقى هى الأكثر بين المؤمنين، ملايين التوسلات والصلوات والتماسات الطلبة، ترفع للسماء يومياً فكل من له طلبة طلبها من الله وراجياً قديسيه، وشفاعة السيدة العذراء مريم، فتقول «أم مجدى» المرأة الستينية، إنها قبل 42 عاماً كانت فى الشهور الأخيرة للحمل فى ابنها الأول، وأصيبت باحتباس بولى، والتهاب فى الكلى وصديد وزلال، وظلت ثلاثة أيام دون نزول نقطة بول حتى مع التدخل الطبى وتركيب قسطرة، وكان الألم يتزايد.
و"أم مجدى": عاتبتها على مرضى وشفيت.. ولم أعرف كيف أسجل المعجزة
وتتابع «أم مجدى» لـ«الوطن»، أنها لم تجد سوى العذراء مريم تطلب منها الراحة، فتقول إنها تعلق صورة للعذراء وهى تحمل المسيح فى «صالة» منزلها، فكانت من الألم لا تستطيع النوم وتظل تتحرك فى البيت كله وتقف أمام صورة العذراء وتبكى وهى تعاتبها قائلة: «ليه سيبانى أتألم وأتعذب اشفعيلى ربنا يشفينى».
المرأة التى ظلت طوال الثلاثة أيام تقف أمام الصورة وترجو شفاعتها، كادت تصاب بتسمم بولى، فكانت تبكى أمام الصورة، وفى اليوم الثالث، استيقظت لتجد صليباً مرسوماً بالأحمر على ملابسها، ووجدت نفسها طبيعية ومع التحاليل وجدت أن معدلات الأملاح طبيعية والصديد والزلال انتهيا تماماً، كما أنها ولدت ولادة طبيعية وكانت ولادة سهلة.
وتضيف أم مجدى: «كان من المفترض أن أحتفظ بملابسى التى رسمت عليها علامة الصليب لكنى كنت صغيرة، كما أن الوعى كان قليلاً، فلم أعرف كيف أسجل المعجزة فكنت أحكيها لكل من زارنى».
أما مارتينا مدحت، امرأة عشرينية، لجأت للعذراء مريم أيضاً حين تعثرت ولادتها، ويحكى زوجها باسم نجيب: «استيقظت فجراً على صوت ألمها فذهبنا للمستشفى لكنهم لم يستضيفوها وبمجرد الرجوع للمنزل مرة أخرى ارتفع ضغط زوجتى ارتفاعاً مفاجئاً حيث تخطى الـ180، وذهبنا للمستشفى مجدداً». يتابع «باسم» لـ«الوطن»: الدكتور قال: «لازم تولد والطفل ربنا يتولاه عشان حصل تسمم حمل ومراتك لو ما ولدتش دلوقت هيحصلها نزيف فى المخ». المرأة التى أصابها تسمم فى الحمل وذهبت للعناية المركزة ظل زوجها يدعو الله ويتشفع بالسيدة العذراء لإنقاذ زوجته وابنته، وقرر أن يغير اسم الطفلة المتفق عليه فيما بينهما ليطلق عليها «ماريا» وهو اسم السيدة العذراء باللغة القبطية.
ومر اليوم بسلام بعد صلوات طويلة والتشفع بالسيدة العذراء، يقول «باسم»: «كانت كل واحدة فى مستشفى وكنت مش عارف أعمل إيه غير أنى أصلى وأشكر ربنا مر اليوم بسلام وبركة ربنا وشفاعة السيدة العذراء مارتينا خفّت والبنت طلعت من الحضانة كويسة وسميناها فعلاً ماريا».