محمود العلايلي
يأتى هذا المقال بمناسبة الهجوم الموسمى على مرتادى الساحل الشمالى وأنماط إنفاقهم وأسلوب حياتهم، ويكون الهجوم من بعض كتاب الصحف، ومستخدمى منصات التواصل الاجتماعى، والمعتاد أن من بينهم بعض مرتادى الساحل الشمالى الذين يحضرون معظم الحفلات ويمرحون على نفس الشواطئ، ولكنهم يكتبون عن ذلك مرتدين ثياب الحكماء والناصحين، بل والأوصياء على الأخلاق غالبا، أو الدين أحيانا أخرى. يحاول البعض أن يحدد طبقة الساحل الشمالى بأنهم لا يمثلون أكثر من 1% من عدد سكان مصر، أى حوالى مليون مواطن، وذلك ليس بالقليل إذا قيس عددا، وهو ما يقودنا إلى تعريف هذه الطبقة التى تمثل أصحاب الأعمال وكبار المهنيين ورجال البنوك وموظفى الشركات متعددة الجنسيات، وهم من كبار ممولى الجمارك والضرائب، والشىء الآخر أن نمط إنفاق هذه الطبقة- حتى إن كان سفها- له مردود على مستوى الاقتصاد الكلى، من حيث استمرارية إقامة هذه المنتجعات والمشروعات المكملة لها من مطاعم وأسواق ومراكز خدمة وطرق ومرافق، مما يؤدى إلى سرعة تدوير رؤوس الأموال، وخفض معدلات البطالة، وزيادة معدل النمو.
أما على الجانب الاجتماعى فالشىء الملاحظ أن البعض يحاول نشر الإحساس بأن البهجة والسعادة يجب أن تكون مصاحبة للخروج على القانون والأخلاق، والعمل على تأنيب الناس على طرق تعبيرهم عن فرحتهم وسعادتهم، والإصرار على تأصيل فكرة أن الأثرياء مجموعة من السفهاء الذين اكتسبوا أموالهم بالصدفة أو من حقوق المعدمين، ولذلك ينفقونها دون اعتبار أو حساب. لقد حاولت النظم الاشتراكية على مر الزمان أن تشيع جوا من المساواه بين الناس، مما يسبب فى البدايات شعورا بالعدالة بين عموم المواطنين، إلى أن تدرك الأغلبية أنها تؤدى مع الوقت للمساواة فى توزيع البؤس، بينما أدى نظام اقتصاد السوق الحر إلى التنافس بين المواطنين للوصول إلى أفضل مكان، والتفرد بين الأقران المتنافسين، ليستحق صاحب الموهبة والدأب فى العمل مكانة تختلف عن الآخرين. إن الإنسان يسعى دائما للنجاح والوصول إلى المراتب العليا، لا ليصل إلى مرحلة الإشباع المادى فقط، ولكن الأهم هو الإشباع المعنوى الذى يختلف من شخص لآخر، حيث إن من حق كل فرد أن ينفق أمواله بالطريقة التى تحقق له هذا الإشباع، مع الوضع فى الاعتبار دائما أننا نعنى من اكتسب ثروته بطرق معلومة ومنضبطة مع دفع حق الدولة، حيث يعود بنا هذا لنتساءل: هل من المجدى اختصار كل ثرى بالنظر باستهزاء إلى طرق إنفاقه ساعة راحته واستمتاعه بما جناه، أم الأجدى استرجاع قصة نجاحه وما بذل من الجهد والعرق، ولحظات السقوط والنهوض وعدم اليأس والمثابرة، بدلا من الإصرار على التبكيت على أسلوب الإنفاق والحياة؟ وبالنظر للمسألة من منطلقها الاقتصادى ومن مرجعيتها الاجتماعية، نجد أنه بينما يوجد قطاع صغير لديه القدرة على قضاء العطلات فى أماكن عديدة داخل مصر أو خارجها بحسب المقدرة المادية، فإنه يوجد قطاع عريض جدا من المواطنين-للأسف- ليست لديهم القدرة المادية لقضاء أى نوع من الإجازة، بل إن هناك قطاعا آخر- لشديد الأسف- ليس لديه أى فكرة عن معنى الإجازة أو كيفية قضائها، والقطاعان الأخيران هما الأولى بالاهتمام والنظر، بدلا من أسلوب الحط من القادرين الذى لن يغير من حياة الآخرين شيئا، حيث لا يعد وصف القادرين بالفساد والسفه إلا من قبيل العزاء السخيف المؤقت، لأن ما يغير من حياة الناس فعلا ويرفع مستوى معيشتهم هو دفعهم للعمل والتنافس، ليكون الإشباع النفسى سعادة واقعية، وليس عزاء وهميا بانتقاد الآخرين وبغضهم، وذلك بالعمل على بسط العدل بتوفير الفرص المتكافئة للجميع، ودفع الموهوب الدؤوب والمثابر لطريق النجاح والتحقق، بحسب ما يبذل من جهد وما يمتلك من مقدرة.
نقلا عن المصرى اليوم