مفيد فوزي
من المؤكد، أنى لا أقصد قصة إحسان عبدالقدوس التى تحولت إلى فيلم يحمل اسم «لا أنام» أخرجه صلاح أبوسيف من بطولة فاتن حمامة وعمر الشريف واشترك بالتمثيل: هند رستم ورشدى أباظة ومريم فخرالدين ويحيى شاهين وعماد حمدى!!! كل هؤلاء فى فيلم واحد. لكنى أتكلم عن «حالة» شخصية ربما هى حالة كثيرين لا تحصى أعدادهم. إنها حالة أرق دائم لا أدرى سره. وأعترف أنه زارنى فى زمن الإخوان حيث كنا جميعاً - ولست وحدى - نفتقد الأمان، نعم، كانوا يرسمون بطلاء أسود علامة الصليب على حيطان بيوت يسكنها الأقباط. وأيامها كنا جميعاً - ولست وحدى - نستعين بأبواب حديدية بقصد الحماية، كنا نخشى السيارات المفخخة أمام بيوتنا. وكان السارق هو بطل الليالى وحاكمها، و.. رجل الإخوان من حياتنا بسيناريو إلهى فى شخص قائد جسور حطم دولة المرشد وخرجت الملايين من العجائز قبل الشباب يؤيدون هذا «المغامر» ابن باب الشعرية. واسترحنا تماماً إلا من محاولات يائسة لضرب الدولة كلما صعدت سلماً أو حققت إنجازاً أو بنت صرحاً ولكن مصر لا تنكسر.
■ ■ ■
حالتى ليست فريدة. تعودت أن أنام ساعة القيلولة، أصحو بعدها متفائلاً وعندى طاقة إيجابية، ودائماً أتذكر أن نابليون كان يغفو لحظات فكإنما نام الليل كله، واليوم الذى اضطر إلى حضور مناسبة ما ظهرا أنفذها على مضض وعادة يكون تليفونى مغلقا ساعة القيلولة بهدف الاسترخاء الكامل وبالفعل أنعس وأنام ويحضرنى قول شكسبير فى إحدى مسرحياته «إن السعادة هى النوم العميق»! لكنى أعترف أنى لا أنام الليل، تلك المساحة التى خصصها الخالق لنواصل بعدها السعى الحياتى بنشاط، وأنا - مع إيمانى بالطب - أستريح لبعض الوصفات الشعبية! نصحونى بعدم شرب القهوة بعد العصر والسبب الكافيين الذى يطرد النوم من العيون وتتكحل الجفون بالأرق، بطلنا القهوة وصرت أشرب الينسون وأتعشى «جبنة وبطيخ» فقط وأقاوم أى عشاء ثقيل مهما كان الداعى، صرت من جماعة اللبن الزبادى المخلصين، وأدخل السرير عند أول تثاؤب وأهمس لنفسى جالك الفرج، وبعد قليل أجد نفسى يقظاً ويأكلنى الغيظ، لأن لحظات اليقظة تمتد إلى ساعات وأنا لم أقترب من أى كافيين وشربت الينسون ومعدتى غير مثقلة، لماذا لا أنام؟ لماذا اليقظة؟ جربت أن أطرد من رأسى أى أفكار، وأنا بالمناسبة لا أشكو من شىء يطاردنى ولا تساورنى أحلام أحلق معها فى سماء فضاء الأمنيات، وعملى الصحفى لا يشاركنى لحظة النوم وأحياناً أشرب كوباً من اللبن الساخن كالأطفال، ولكنى لا أنام! نصحونى بالجلوس فى غرفة مظلمة وأقاوم التليفزيون فامتثلت ولم «أنام»!
■ ■ ■
بالمناسبة، أنا ودعت العمر الذى كنت فيه أناجى طيف الحبيب وأسهر وأنشغل أنا وأسأل الليل عنه! أيام العاطفة الهوجاء ولت وسهر الليالى لم يعد مشتعلاً بالهوى والشك والغيرة فيطرد النوم من الجفون، نعم، لى مشاعر جميلة ولكنها مختزنة فى وجدان رشيد وتقيم فى قلب غير متقلب وأستدعيها متى شئت ولكنها ليست سبباً يدعونى إلى عدم النوم والأرق الملازم لى. وكنت قد قررت الذهاب إلى د. شهيرة لوزا المتخصصة فى «معمل النوم» أحاورها وأسألها النصح فى حالتى! وقد طلبت منى د. شهيرة أن أجرب كوباً من اللبن الساخن أو فنجان ينسون ولا أقترب من الشكولاته «بها نسبة من الكافيين» وابتعد عن شاشة التليفزيون قبل النوم وألا أدخل السرير إلا فى حالة التثاؤب وهجوم النعاس على جفونى! وقد جربت كل ما قالت ونصحت به د. شهير لوزا والنتيجة: لا أنام! قالت لى مرة: لا تذهب للنوم ومعك مشكلة أو قضية أو موضوع يشغل بالك. نفذت النصيحة ودخلت سريرى وقد دربت نفسى على طرد الأفكار من رأسى ولكن الأرق كان أقوى منى. لم أذق طعم النوم إلا فى ساعات الفجر الأولى ولكنى أضطر للقيام لأفتح الباب لمديرة البيت حيث تدب الحياة! الغريب والمريب أن النوم يفاجئنى فى ساعات النهار الأولى ويقاطعنى فى ساعات الليل التى فرضت الطبيعة أن ننام فيها، ولكن د. شهيرة نصحتنى أن نوم الليل أكثر فائدة من نوم النهار، مشكلتى أن الليل يمضى وأنا يقظ! وكنت أعلم أن اضطرابات النوم تؤثر على اتخاذ القرارات فى حياتى، فصرت أتردد فى اتخاذ قرار مصيرى وأنا «ناقص نوم»!
■ ■ ■
كنت قد قرأت فى الأهرام فى الصفحة الأولى عنوانا لفت نظرى، وهو «النوم.. أزمة عالمية»! يقول الخبر القادم على وكالات الأنباء: «عدم أخذ القسط الكافى من النوم والراحة بشكل يومى لم يعد مشكلة فردية ولا حتى لمجتمعات دون أخرى بل صار أزمة عالمية يعانيها أكثر من نصف سكان الأرض تقريباً، إذ كشفت دراسة حديثة عن أن ٦٢٪ من البالغين على مستوى العالم لا ينامون بشكل جيد عندما يذهبون إلى غرف نومهم. وشملت الدراسة ١١ ألف شخص من 12 دولة وأبرزت نتائجها شركة «راكنترر» فى رسوم بيانية لتوضيح حجم الأزمة. وأكدت الدراسة أن الأشخاص أصبحوا يفقدون نحو ساعتين من معدلات نومهم اليومية وينامون ٦ ساعات وهو أقل من الثمانى ساعات التى ينصح بها الأطباء دوماً وهو ما يؤثر سلبياً على وظائفهم الحركية والمعرفية وكشفت الدراسة عن أن الدوار الناجم عن اضطرابات النوم يعد السبب الرئيسى وراء نحو ١٠٠ ألف حادث سيارة سنوياً.. وحمدت الله أننى لا أقود سيارتى فلدىَّ سائق ولسبب أهم هو أنى لم أتعلم القيادة بسبب عقدة حادثة كسرت فيها الترقوة من كتفى أثناء مرافقة شاعرنا الكبير صلاح عبدالصبور وهو ذاهب لخطبة زوجته الأولى، ودخلت المستشفى على إثر الحادثة ولكن الشىء الذى حلمت به بعد قراءة خبر الأهرام أن أنام ولو ٥ ساعات على بعضها!
■ ■ ■
النوم - كما تعلمت وقرأت - ليس فقداناً للوعى أو غيبوبة، إنما حالة خاصة يمر بها الإنسان وتتم خلالها أنشطة معينة وعندما يكون الإنسان مستيقظاً فإن المخ يكون لديه نشاط كهربائى ومع حلول النوم يبدأ هذا النشاط بالتغير والنوم العميق هو المرحلة الرابعة للفرد التى فيها مرحلة الأحلام وهى مرحلة مهمة لاستعادة الذهن لنشاطه، لقد نصحونى أن أدخل غرفة النوم بعد عشاء خفيف مبكرا فهذا يساعدنى على النوم غير أن طبيبى قال لى إن مريض السكر يذهب إلى الحمام فى العادة ٣ مرات أثناء الليل وهذا طبيعى للغاية ومعنى هذا أننى أستيقظ ثلاث مرات فى الليل ومن هنا تصعب مواصلتى للنوم من جديد واستعنت بتجربة موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب فى الفرجة على فيلم أو مسرحية كوميدية، تساعدنى على راحة البال، كان الموسيقار «يسلم نفسه» على حد تعبيره لفصل فى مسرحية لفؤاد المهندس وبعدها ينام، وقد أخذت هذه النصيحة مثلاً حياً لطرد الأفكار وتطهير جهازى النفسى من ردود فعل المجتمع وصرت أبحث عن أفلام الريحانى والمهندس ومسرحيات عادل إمام وأفلامه وأفلام وحيد سيف وأحمد آدم وسمير غانم وأى مسلسل لسهير البابلى أو مسرحية وبالفعل أتفرج بمتعة وأضحك من قلبى وأدخل سريرى ولا أنام!
■ ■ ■
كان عندى صديق دارس للسلوكيات فى أمريكا والعادات التى تحكمنا وعندما عرف مشكلة نقص ساعات نومى أمرنى أن أقوده لغرفة نومى فقال لى ملاحظاته: ظلام الغرفة جيد ومرتبة السرير نموذجية ولكن مخدات النوم يجب تغييرها لتبدو لينة وسلسلة وتتفق مع راحة الرأس والعنق وحاول ألا تتقلب كثيراً، فالحركة الشديدة أثناء النوم تعنى القلق النهارى! وامتثلت للنصائح وغيرت المخدات والنتيجة لا أنام وأنا فى أسفارى لا أنام اليوم الأول وفهمت السبب بالحس الشعبى «لأنك غيرت مطرحك وربما كان النوم يأتينى فى مرحلة التعب أو الإجهاد الشديد!».
■ ■ ■
آخر محاولاتى للنوم العميق الذى أحلم به هو المهدئات، وقد نصحنى طبيبى د. محسن سامى ألا أنام بمهدئات كيميائية ويفضل عليها الأعشاب وقد جربت عشرات الأعشاب ولكنها كانت تعطينى ساعتين فقط نوما!
■ ■ ■
سأعود إلى نصيحة أمى «لتنام بعمق»: خذ حماماً ساخناً على مهل ثم أدخل سريرك وتغطى صيفاً وشتاءً، وسوف أوافيكم بالنتيجة بعد أن أصحو!
نقلا عن المصرى اليوم