الأقباط متحدون | هي دقة قلب ..!
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٠:٤٣ | الاثنين ١٩ ديسمبر ٢٠١١ | ٩ كيهك ١٧٢٨ ش | العدد ٢٦١٣ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

هي دقة قلب ..!

الاثنين ١٩ ديسمبر ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

بقلم : نبيل المقدس

هي حكاية بطلها أمريكي وبطلتها فيتنامية .. قرأتها من مجموعة القصص التي تدور حول عيد الميلاد .. جميلة بلغتها الأصلية .. لكن ربما بعد ترجمتها وتحويرها إلي ما يناسبنا أنقصت من قوة ورِقة التعبيرات . فأعذروني .. فقد أحببتُ هذه القصة جدا لأن وقت أحداثها تشبه زمن السبعينات التي أعتبرها بالنسبة لي أحلي أيام عمري ..
تقول : جاء أسبوع الإحتفال بعيد الميلاد , فكان لزاما عليّ أن أقضيها في بلدتي المنيا بين عائلتي حيث كنتُ أدرس في جامعة القاهرة بالسنة النهائية بكلية البنات .. توجهتُ إلي محطة مصر لكي ألْحقْ بالقطار الذاهب إلي المنيا .. وهناك علي الرصيف لمحتْ شابا يرتدي الزِي العسكري للجيش .. كانت نظرتنا لرجال الجيش عامة بعد نكسة 67 نظرة فيها تقليل من شأنهم ... لاحظتُ أنه يكرر النظر إليّ بين حين وحين .. بصراحة إعتبرتُ هذه النظرات نوع من التطفل السخيف من عسكري مجند .. وقتها كنا نعلم أن العسكري المجند " كثيرُهْ شهادة الإعدادية " , لأن خريجي الجامعات كانوا يلتحقون بالجيش كضباط إحتياط . فجأة دوت صفارات الإنذار التي تعودنا عليها في فترة حرب الإستنزاف .. وجدتُ نفسي واقفة لوحدي علي الرصيف وجها لوجه أمام هذا المُجند .. تلفتُ حولي وجدتُ كل من كان يقف علي الرصيف هرع خارجها .. وبسرعة وبحركة لا إرادية وجدتُ هذا المُجند يحمل حقيبتي ويجري وأنا ورائه حتي وصلنا إلي البهو الخارجي لمحطة مصر .


بعد ما إستعدتُ نفسي رفعتُ رأسي لكي أشكرهُ .. لكنني لم أجدهُ بل وجدتُ الشنطة أمامي .. أخذتُ أبحثُ عنه بعيوني يمينا وشمالا لعل المَحَهُ من بين الزحام .. وفعلا بعد دقائق وجدتهُ آتيا إليّ ويقدم لي كوب من الشاي فقد كان الجو صقيعا.. وبدون تفكير أيضا أخذتُ الكوب منه .. ويادوب أنتهينا من شرب الشاي .. سمعنا صفارات الأمان دليل علي أن الغارة قد إنتهت .. وبحركة عنفوانية حمل شنطتي لنرجع إلي الرصيف حيث كان القطار موجودا .. كانت درجة تذكرتي هي الدرجة الثانية .. خجلتُ من نفسي لأنني كنت متوقعة أنه سيذهب إلي الدرجة الثالثة . حاولت أن أخذ منه الشنطة لكي أصعد إلي عربتي , لكنه أبي وأدخلني حتي جلستُ علي الكرسي الخاص بي .. ثم قال لي حمدالله علي سلامتك مقدما .. شكرتهُ جدا .. ثم أخذَ بعضه ونزلَ من العربة .
تحرك القطار بعد إنتظاره علي الرصيف حوالي ساعة بسبب اللخبطة التي حدثتْ نتيجة الغارة الجوية .. بدأ القطار يتحرك لكن كانت سرعته بطيئة .. هذا البطء أعطاني الفرصة لكي أفكرُ في هذا العسكري المُجند , وتخيلتهُ أنه دخل عربته الدرجة الثالثة وصَعَدَ علي إحدي الرفوف الموجوده أعلي جانبي العربة وغرق في نوم عميق . كانت هذه صورة المجند في مخيلتنا عندما يسافر إلي بلدته ... ضحكتُ في نفسي و تذكرتُ لقطة من إحدي أفلام فريد الأطرش مع شادية وأغنية " سافر مع السلامة " .. أغنية جميلة حتي أن إيقاع موسيقاها جَعلتْ هند رستم ترقص عليها بمهارة وبجمال فني .. وتذكرت العربة التي دارت فيها هذا اللقطات ووجود اللمة الجميلة حول فريد الأطرش وخصوصا الأفراد الموجودين علي رف العربة وتخيلت هذا العسكري الذي ساعدني وأخذني إلي مكاني بهدوء وآمان موجود معهم متسطحا علي الرف ويغني معهم... " سافر مع السلامة " .


شَعرتْ بملل شديد لبطء سرعة القطار .. فأخذتْ نفسها وذهبتْ إلي بوفيه القطار لكي تتناول فنجان قهوة و لكسر هذا الملل .. يادوب جلستْ علي إحدي الطاولات الموجوده في عربة البوفيه , وإذ تري أمامها هذا العسكري المُجند يقرأ كتابا بلغة انجليزية .. هو لم يشعر بوجودها إلا بعد ما ذهبت إليه .. فقام بأدب وبدهشة لوجودها ثم سمح لها أن تجلس معه .. قالت له بعد سكون رهيب وصمت طويل : من أنتَ ؟؟؟ ضحك وألقي برأسه إلي الخلف .. انا إسمي مفيد سعد .. خريج إعلام منذ 3 سنوات .. بعد ما أنتهيتُ من الدراسة عملتُ في أحدي الصحف .. لكن جاء ميعاد فترة التجنيد .. وفي نفس الوقت أحاول أن أنتهي من ماجستير في العلوم السياسية .. "كانت تنظر إليه مبهورة .. وشعرت أنها تصغر أمامه .. تذكرتْ بسرعة ما فكرتْ فيه بأنه يادوب دبلوم صنائع أو تجارة أو إحتمال بالكثير جدا حاصل علي الشهادة الإعدادية !" .. وإستكمل كلامه أنه فضل أن يكون عسكري أحسن من ان يُجند كضابط إحتياطي لكي لا يبقي كثيرا في الجيش , لكن من حظه دخل الجيش بعد حرب 67 بـ 4 سنوات فطالت مدته في الجيش لظروف الحرب . وها نحن في أوائل سنة 73 وما زلت موجودا في الجيش ... بعد ما انهي كلامه معها .. قال لها سوف لا ألحق أن اقول لكِ " من أنتِ ؟؟ ... لكن سوف يكون لي معكِ لقاء بعد رجوعنا القاهرة في كليتك .. كل ما أريده منك معرفة إسمك بالكامل فقط.
فقد عَرَفتْ منه أنهُ سوف ينزل بني سويف التي بدأ القطار علي وشك الدخول إلي رصيفها .. وقبل ما يتوقف القطار أخرج من شنطته "الهاند باك" ماديلية عبارة عن شجرة الميلاد من الكريستال وأعطاها لها قائلا " كل سنة وانت طيبة .. وعيد ميلاد سعيد " .. في تلك اللحظة دقت قلوبهما معلنة عن مولد حب طاهر في ذِكري عيد ميلاد الرب.


تم زفافهما بعد عيد القيامة مباشرة .. وبعد الزفاف بثلاث شهور تقريبا قامت معركة اكتوبر 73 .. كانت هذه الفترة من أصعب الأيام التي إجتازتها "سوزان" وهذا هو إسمها .. فقد إنقطعت أخباره وإتضح أنه كان من ضمن الجيش الثالث الذي قضي شهورا عديدة محصورا.. وبعد إنتهاء فك الحصار جاء إليها متلهفا علي إبنه الذي جاء في وقت غيابه عنها.
إنتهت فترة خدمته في الجيش .. وعاش هو وزوجته وإبنه حياة ممتعة .. وكان يحرص دائما علي الإحتفال بليلة رأس السنة الميلادية لأن في هذا اليوم كان بداية قصة الحب التي تحققت طيلة هذه السنوات العشر .. كان بعد ما ينتهيا من تزيين شجرة الميلاد يمسكان شجرة الميلاد الزجاجية والتي اعطاها لها في القطار.. ويضعانها بيد واحدة أعلي الشجرة .. وكان دائما في هذه اللحظة يهمس في أذنها " كل سنة وانت طيبة يا حبيبتي "..
لكن الأحداث تسارعت , وكانت مشيئة الرب هي الفيصل في حياة سوزان .. فقد إنتشر المرض اللعين في جسد زوجها .. وودعت حبيبها في صبر, وربت إبنها حتي أصبح شابا , وأخذ مكان والده حتي في مساعدتها عندما تنوي إقامة شجرة الميلاد .. فقد أصرت هي وإبنها أن يستمرا في الإحتفال بعيد الميلاد المجيد كل سنة وإقامة شجرة الميلاد , إحتفالا به , وإحياءً لأول يوم قابلت فيه زوجها .


وجاءت سنة 2011 وكما تعودت هي وإبنها أقاما شجرة الميلاد .. وبينما هي ترفع يديها لكي تضع الشجرة الزجاجية أعلي شجرة الميلاد إذ بها تشعر بلمسات إيد زوجها وتسمع صوت همساته " كل سنة وإنت طيبة يا حبيبتي " .. سَرَتْ في عروقها رجفة عجيبة فهذا صوت زوجها الذي فقدته وكذلك همساته وكلامه .. فأغمضت عينيها لأنها توقعت أن تجد زوجها أمامها .. لكن فتحت عينيها وإذ بيد إبنها يمسك يديها بشدة ويقول لها : " مالك يا ماما هو مش من حقي اقولك ياحبيبتي " ..
الآن وبالرغم من فقدانها إبنها ايضا في ميدان التحرير .. أصرت أن تقيم شجرة الميلاد بمفردها لسنة 2012.. وعندما أتت عند تعليق الشجرة الزجاجية أعلي الشجرة بدأت تشعر بلمسات أيادي زوجها وإبنها وتسمع همسات صوتهما :


" كل سنة وإنت طيبة يا حبيبتنــــا ."
فعلا هي : دقة قلب .. لحكاية حب .. بين أم وإبن وأب .. يشهد عليها ميلاد الرب ....!!!!!

 




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :