نجاح الخطوة الأولى لا يعنى الوصول لخط النهاية، وبناء الأساس الصحيح شرط لاكتمال أى صرح لكنه لا يعنى النجاح فى استكمال بنائه.

 
هذا واقع التجربة السودانية، التى قدمت نموذجا ملهما للتغيير، ونجحت، عقب أزمات كثيرة، فى الدخول فى مرحلة انتقالية ستستمر 39 شهرا (نراها طويلة جدا) على طريق بناء دولة القانون المدنية الديمقراطية.
 
والحقيقة أن أخطر ما يواجه المجلس السيادى فى المرحلة القادمة هو قدرته على إعادة بناء مؤسسات الدولة التى تم إضعافها وأخونتها طوال الثلاثين عاما، حتى أصبحت طرفا مباشرا فى الصراع السياسى.
 
فقد أسس البشير قضاء وجيشا وشرطة وجهازا إداريا مرتبطا بالحزب الإخوانى الحاكم، وأجرى عملية تجريف لهذه المؤسسات وضم عناصر إخوانية (كيزان بالتعبير السودانى) بغرض السيطرة عليها وتوجيهها وفق خط النظام الحكام وما سمى فى ذلك الوقت المشروع الإسلامى.
 
ورغم ذلك نجح الجيش السودانى فى الحفاظ على تماسكه، رغم التحديات الكبيرة التى مازات تواجهه، والخلافات التى جرت بين بعض قادته، بل حتى محاولات الانقلاب التى رتبها عناصر من النظام القديم على قيادات الجيش وعلى مجمل المسار السياسى الجديد، وتم كشفها وإفشالها.
 
كما نجحت قوى الحرية والتغيير بدورها فى تقديم نموذج ناجح فى الإدارة السياسية فرغم الخلافات الكثيرة الموجودة داخل أحزابها وتياراتها حتى إن بعضها رفض التوقيع على اتفاق المرحلة الانتقالية مثل الحزب الشيوعى السودانى، إلا أنها نجحت فى التقدم للأمام ووقعت على الاتفاق، رغم مزايدات بعض الجماعات الثورية وتحريض قوى النظام القديم الإخوانية.
 
وعلى خلاف تجارب عربية أخرى رفضت فيها كثير من القوى الثورية التفاوض مع النظام القائم أو مع الخصوم السياسيين مثلما جرى فى مصر عقب ثورة يناير، فإن قوى الحرية والتغيير تبنت، منذ اليوم الأول، مبدأ التفاوض مع السلطة القائمة ممثلة فى المجلس العسكرى الانتقالى، وتمسكت فى نفس الوقت بضغط الشارع من أجل بناء نظام سياسى مدنى بديل، وليس لصالح الفوضى والاستباحة وغياب أى بديل.
 
لقد كرست التجربة السودانية «التفاوض» كقيمة عليا تمسك بها جميع الفرقاء مهما كانت درجة الخلافات بينهم، وهو ما وضعها أيضا على أول طريق النجاح.
 
نجاح المجلس السيادى فى وضع أساس صحيح للمرحلة الانتقالية سيعنى النجاح فى بناء نظام مدنى ديمقراطى، وهو مطالب ليس فقط بمواجهة المشاكل الاقتصادية والسياسية المتراكمة، إنما أيضا إعادة بناء مؤسسات الدولة وضمان حيادها تجاه الحزب أو النظام الحاكم مهما كان توجهه أو لونه السياسى.
 
طول الفترة الانتقالية أمر مقلق مازلت أراه عامل ضعف كبيرا، ولذا يجب أن يكون هناك أمام صناع القرار فى السودان بدائل أخرى، وتوافقات على «بديل جسر» بين النظام القديم والجديد فى حال لا قدر الله تعثر المسار الانتقالى.
نقلا عن المصرى اليوم