بقلم: محمد إسماعيل

الوقت، ذلك الذهب السائل
عزيزي القاريء أعترف أمام نفسي و امامك بأنني أضعت الكثير من عمري، لأنني أضعت الكثير من وقتي، و الوقت كما كنا نسمع و نحن بسن المدرسة صغاراً ، كالسيف ان لم تقطعه قطعك و لكن للأسف ألهتنا الحياة بتفاصيلها الكثيرة و زحامها و شدها و جذبها فنسينا أجمل ما سمعناه و نحن بسن الطفولة و لم تترك لنا إلا الأثر السيء للأساليب السلبية التي تعرضنا لها في عملية تكييفنا لنعيش باقي العمر منجرفين مع تيار الأحداث. و هنا يجب أن نتذكر جميعاً أن الأحداث إما أن نصنعها أو نشهدها و نقبل ما تأتي به علينا، و هذه المقولة التي أدعي تأليفي لها إنما تثبتها الأحداث المعاصرة من أمور الأمم حولنا، فتلك الأمم التي استطاعت استخدام قدراتها على صناعة أحداث عظيمة و غيرت مصيرها الآن هي الأمم القوية أمثال أمريكا و ماليزيا و اليابان و الصين، أما تلك الأمم التي لم تعر الوقت اهتماماُ لم تصنع أحداثاً عظيمة تغير من وجه تاريخها بقيت في تخلف و تراجع و ضعف من جيل إلى جيل حتى ليتسائل السائل ما قيمة هذه الأمم في الحياة الآن، و لعل أوضح مثال لذلك هو الأمة العربية.

ما هو الوقت
إن المساحة الزمنية التي يعيش فيها الإنسان هي الوقت و هي بطبيعتها محدودة فلكل شيء بداية و نهاية، و هذا ينطبق على الوقت بشدة، فأعمارنا و التي هي أوضح مقياس للوقت انما تبدأ بولادتنا و تنتهي بموتنا، و مما يزيد الأمر صعوبة هو أننا لا نعلم متى نموت و بالتالي فإن استغلال الوقت أمر حيوي لكل منا لأننا على يقين بأن اللحظة التي تذهب لن تعود مرة أخرى و كل دقيقة تمر علينا هي خصم مما لدينا من أرصدة أعمارنا.

آلة الزمان
إن تعريفي لآلة الزمان قد يختلف عن التعريفات الأخرى التي قرأتها، فإنني أعرفها بأنها الحيز الزمني الذي ندخل اليه بمجموعة من الأنشطة و نخرج منه بنتائج محددة، و لذا إذا ما قمنا بتطبيق نظرية المدخلات و المخرجات الخاصة بعلوم الحاسب الآلي و تذكرنا قاعدة النفاية الداخلة تؤدي الى نفاية خارجة Garbage In Garbage Out (GIGO) سنجد أن آلة الزمان تعمل على ما ندخله اليها من أنشطة حياتية، فإذا كانت تلك الأنشطة من النوع المفيد كانت النتائج بناءة و عظيمة و دافعة نحو مستقبل أكثر انتاجية و أكثر نماءاً، أما اذا كانت الأنشطة من النوع السيء غير المفيد ستكون النتائج بالتالي أكثر تدهوراً و أن نحيا حياة مليئة بالتعاسة و الشقاء.

إن التحليل التالي لقيمة الوقت و تأثيرها على حياتنا ينطبق على كل ما نفعله في العمل، و في المحيط الأسري و محيط الأصدقاء و حتى في النادي أو الأنشطة الترفيهية، فالوقت له طبيعة لا تتغير بتغير المجال و هي أنه محدود و ما يستهلك منه غير قابل للتجدد مرة أخرى.

سأبدأ شرح آلة الزمن كما أعرفها بأن أسرد بعض الأنشطة السيئة و السلبية و التي تستهلك من وقتنا (عمرنا) الكثير بلا فائدة:
- الجدال
و كان الإنسان أكثر شيئاً جدلاً، إن الجدل مع ما يتسم به من انعدام الهدف من الكلام فإنه يتسم أيضاً بأنه مضيعة للعمر، و هناك أمور يقوم الناس بالجدال عليها و هي غير مفيدة في نهاية الأمر و لن تؤدي الا الى تضييع الوقت و من ثم العمر و أيضاً كسب العداوة بين المتجادلين، و المثال على ذلك الجدال على الأديان حين اختلافها أو الجدال على الملل و الفروع حين اتفاق الدين الواحد، أيضاً الجدال على المذاهب السياسية، فلتؤمن بما شئت و طالما لم تضر فأنت حر. ابتعد عن الجدال تكسب عمرك و تحتفظ بأصدقائك.

- مشاهدة التليفزيون
لا أقصد بالطبع المشاهدة المعتدلة للتليفزيون و لكنني هنا أقصد المشاهدة الشاذة و التي تطول لساعات يومياً، و أنا ايضاً لا أقصد مشاهدة التليفزيون فيما يفيد مثل مشاهدة قناة الجغرافيا الدولية National Geography و لكن المقصود هنا هو تضييع الوقت في مشاهدة الأفـــلام و الأغنيات و برامج اللقاءات المفتوحة Talk Show و التي تتميز بالجدل الشديد. و ليس تضييع الوقت هو النتيجة الوحيدة للجلوس أمام التليفزيون و إنما هو النتيجة المباشرة، حيث توجد العديد من النتائج الأخرى للجلوس أمام التليفزيون مثل التهام الأطعمة ما لذ و طاب و بالتالي زيادة الوزن و أيضاً غالباً ما تكون وضعية الجلوس غير سليمة مما يؤدي الى مشاكل الظهر، و لا تنسى تأثيره الضار على البصر. قنن أوقات مشاهدتك التليفزيونية و ركز على ما يكسبك معلومات و يروح عن نفسك.

- المكالمات التليفونية
اذا زاد الشيء عن حده انقلب الى ضده و هذا القول ينطبق على جميع ما نفعله في حياتنـــــا، و بخاصة المكالمات التليفونية و التي قد تأخذ من بعضنا نصف أعمارنا و خاصة بعد ظهور المحمول الذي أصبح و كأنه جزء من جسدنا نتحرك به أينما ذهبنا حتى اذا كنا ذاهبين الى الحمام أو توديع غالي الى مثواه الأخير.
لقد أصبح الهاتف سواء التقليدي أو المحمول من أكثر ما يستهلك أوقاتنا و بخاصة مع الضغط الدعائي الذي تقوم به شركات المحمول و تقديمها لبرامج "تحدث أكثر" و تركيزها على توجيه التخفيضات و العروض على تلك الأوقات التي يمكن أن يستغلها الشخص في التأمل أو في القراءة أو في الاستماع لما هو مفيد. عزيزي القاريء تجنب المكالمات المطولة و استخدم الهاتف فيما تم اختراعه له و هو توصيل أخبار أو معلومات أو الاطمئنان على غالي أو ثمين و وفر وقتك الذي هو حياتك لأنشطة أفضل.

- الأحاديث التافهة
لا تنزعج عزيزي القاريء من تعبيري بالأحاديث التافهة، فستدهش عندما تعلم أن الأحاديث التافهة التي نتناولها في الممرات بأماكن عملنا و على المقاهي في جلستنا مع شلة الأصدقاء تستهلك من أعمارنا نسبة تتعدى الـ 5%. و الآن دعنا نتصور أننا جالسين أو واقفين نتحدث عن علاقة الفنانة الفلانية برجل الأعمال الفلاني و استغرق منا الحديث في هذا الموضوع نصف ساعة، و قمنا بالحديث عن زميل لنا بما لا يسره على الإطلاق لمدة ربع ساعة فتلك خمسة و اربعين دقيقة مع العلم بأن ما نمتلكه باليوم من وقت اليقظة هو فقط 16 ساعة فإن هذا يمثل 5% من وقتنا بهذا اليوم، هذا اذا وقف الموضوع عند خمسة و اربعين دقيقة فقط. اذا أردت أن تذكر شيئاً رديئاً عن شخص أو موضوع ما، اذهب الى شاطيء البحر و اكتبه على الرمال.

 - الأنشطة الجيدة
لن أنهي هذا المقال قبل أن أذكر بعضاً من الأنشطة المفيدة التي يمكن أن نستغل بها أوقاتنا سواء داخل العمل أو بأوقات فراغنا.

- القراءة
القراءة هي أم العلم و الثقافة، فأمة لا تقرأ هي أمة لا تعرف عن ماضيها و لا تشعر بحاضرها و لا تبصر مستقبلها، فهيا نقرأ، و أنا على علم تام بأن الاعتياد على القراءة في بدايته أمر ليس سهلاً و لكنه ليس مستحيلاً، و لقد عشت التجرية سابقاٌ و لكنني قررت أن أقبل التحدي فبدأت بالقراءة في مجالات هي الأقرب الى اهتماماتي و لمدة قصيرة لا تتعدى العشر دقائق ثم زدت مع الوقت من زمن قراءتي للدرجة التي تمكنني من قراءة كتاب من مائتين صفحة في يومين و أعرف أشخاصاً يقرأونه في يوم واحد.
القراءة تزيدك علماً و ثقافة و ترفع من شأنك في مجتمعك الصغير، بالعمل و البيت و المسجد أو الكنيسة و النادي، و ترفع من قدراتك على مساعدة الآخرين بشكل كبير.
هل تعلم أن بعض المديرين عندما يتقدم اليهم طالب وظيفة يكون أول سؤال له هو "هل تقرأ و ماذا تقرأ؟" وبالطبع أنت تعرف النتيجة اذا كانت الاجابة "لا"، و كما يقرر برايان تريسي و هو أحد أهم مدربي رجال المبيعات بالعالم أنك اذا تعودت على القراءة فسيتضاعف دخلك في غضون ثلاثة أشهر. احرص على القراءة و اجني الثمار في القريب العاجل.

- اكتساب مهارات جديدة
قدرة الانسان على التعلم لا نهائية، فقدراتنا العقلية هائلة و ليس هذا مجال شرح القدرات العقلية حيث سنفرد له مقالاً بذاته. غذاء العقل هو المعلومات المفيدة و المهارات الجديدة التي تفيدك و تفيد عملك و اسرتك و مجتمعك و تنوع المهارات و العلـــــــــوم يكسبك الثقة بالنفس و يجعلك شخصاً مرغوباً. يمكنك أن تنضم الى دورات تدريبية في مجال تخصصك فاذا كنت محاسب فعليك البحث عن الدورات التكميلية للمحاسبين و هي كثيرة و كذلك اذا كنت مهندس أو طبيب أو حتى موظف كتابي أو مندوب مبيعات، فستجد دائماً من الدورات التدريبية التي تثري معرفتك و تزيد من إمكانياتك و قدراتك و بالتالي ترفع من دخلك و ثقتك و تقديرك لذاتك.

إن الحديث عن الأنشطة المفيدة لا ينتهي حيث أن تلك الأنشطة تملأ الكون حولنا و منها ما هو عملي و ما هو اجتماعي و ما هو سياسي و ما هو علمي و غيره، فقط اعقد العزم و اتخذ قراراً بأن تستغل وقتك بأفضل صورة ممكنة.

"الأشياء المهمة يجب ألا تخضع لرحمة الأشياء غير المهمة"
جوته

مصفوفة إدارة الوقت
لا يمكنني انهاء هذا المقال دون أن أتطرق الى موضوع مصفوفة إدارة الوقت و الذي عبر عنها الكاتب و المفكر ستيفن كوفي في كتابه العادات السبع للناس الأكثر فاعلية The 7 habits of highly effective people، فمصفوفة إدارة الوقت تقوم بتقسيم الوقت الى نوعين من الأنشطة:
- أنشطة عاجلة
- أنشطة غيرعاجلة
و الشكل التالي يوضح ما المقصود بالأنشطة العاجلة و الأنشطة غير العاجلة و تأثير هذه النظرة على أسلوب إدارة وقتنا و من ثم إدارة أنفسنا:
 

غير عاجل عاجل  
مربع 2
الأنشطة
- اتخاذ التدابير لمنع حدوث المشكلات و منع وقوع الكوارث
- بناء علاقات جديدة
- إيجاد فرص جديدة
- التدريب على مهارات جديدة
- تدريب الآخرين حتى يحسنوا عملهم
- الأنشطة الدينية
مربع 1
الأنشطة:
- إدارة الأزمات
- التعامل مع المشاكل الملحة
- إدارة المشروعات المحددة بفترة زمنية
هام
مربع 4
الأنشطة:
- الانشغال بالحديث عن الآخرين
- قراءة صحف و مجلات الفضائح
- المكالمات التليفونية التي لا داعي لها
- الجلوس مع محبي تضييع الوقت
- الجدال في مسائل ليس لأحد من البشر سيطرة عليها
- مشاهدة التليفزيون
مربع 3
الأنشطة:
- مكالمات هاتفية غير مؤثرة
- الرد على البريد
- قراءة التقارير
- بعض المقابلات الممكن تأجيلها
- أمور قد تكون ملحة في المستقبل القريب
- الأنشطة العامة
غير هام


من الشكل السابق يتضح أننا ننساق وراء أنشطة المربع رقم 1 و هو ما يجعلنا دائماً مشغولون بالتفاصيل اليومية و ننسى أن الآلة البشرية يلزمها بعض الاعتناء حتى تستمر في النمو و تزيد قدرتها على العطاء و الانتاج و هذا هو الهدف الأساسي من وجودنا بالحياة، و على الجانب الآخر تلاحظ أن مربع رقم 2 قد لا يحتوي على أمور عاجلة و لكنه يحتوي على تلك الأنشطة التي يتوجب علينا التركيز عليها و إعطائها القاسم الأكبر من وقتنا لأن أنشطة المربع 2 هي ما تضمن الاستمرارية في النمو و التقدم و العطاء. و على النقيض اذا نظرنا الى المربع رقم 3 لوجدنا العديد من الأنشطة التي يمكن الاستغناء عنها بل و تجنبها و تخصيص ما تم توفيره من وقت للمربع رقم 2. أما المربع رقم 4 فأنا أسميه مربع الذين جرفتهم الحياة في تيارها بلا قارب و لا مجداف أي أنه مربع من يضيعون حياتهم بإيديهم و كأن الحياة أمر يمكن استعادته اذا ما ضاع منا، فالأنشطة في مربع رقم 4 يجب التوقف عنها فوراً و تخصيص الوقت الذي كنا نضيعه فيها للمربع رقم 2 مرة أخرى.

"لا تنخدع بكثرة أوراق التقويم، فالأيام التي تعد من السنة هي تلك الأيام التي أحسنا استخدامها فقط، فالرجل قد يخرج من سنة كاملة بأسبوع واحد فقط بينما رجل آخر يخرج من الأسبوع الواحد بعام كامل"
تشارلز ريتشاردز