سحر الجعارة
أكثر من 15 عامًا مضت على سقوط أكذوبة «أعشاب عبدالباسط»، التى زعم أنها تعالج: (الأمراض المناعية، والصدفية، والإكزيما، والبهاق، والروماتويد المفصلى، والقولون التقرحى، والذئبة الحمراء).. ودفع ثمن أعشابه المسمومة آلاف المرضى من الفقراء والباحثين عن أمل، فيما سماه - آنذاك - «الطب البديل».. ولم يتبق لهذه الأعشاب المجهولة إلا أن تزوج العانس وترد الغائب وتجلب الرزق... إلخ الهلاوس الشعبية المرتبطة بسراب خادع يسمى «الأمل». ولم يكن الطب وقتها فى أحسن أحواله، فقد ظهر طبيب مشهور يعالج فيروس C بقرص النحل!.. وكانت الفضائيات تروج للدجل والشعوذة، وحتى تكتمل منظومة الجهل وتسخيف العلم وتغييب العقل أصبح «الجان» يخرج من جسم الإنسان «على الهواء مباشرة».. ولنفترض أن وقتها كانت وزارة الصحة فى غيبوبة.. فهل تغير الوضع؟.
للأسف لا، عادت «ريهام سعيد» لتستعين بأحد أعضاء مجلس الشعب (فى عهد مبارك) ليطفئ نيران قرية تحترق دون سبب إلا أن «الجان» أشعلها، وعادت بقوة (على قنوات مصرية)، تخرج الجان من فتيات «ملبوسة».. والجمهور يتابع فى انبهار جبروت المذيعة (التى لا تُقهر) وهى تستعرض عذاب فتيات مصابات بهلاوس سمعية وبصرية، ونرى «الدجال».. فهل انتهت ظاهرة انهيار العلم فى مواجهة الخرافة؟.. للأسف لا.
عاد هؤلاء جميعًا ليتآمروا على صحة الإنسان المصرى بقوة «السوشيال ميديا»، والتى أصبحت ساحة للخداع والتضليل والاتجار بأجسادنا.. دون أن يتحرك أحد لوقف الزحف المقدس لابتزازنا واغتيالنا بكل الأشكال!. على «الفيسبوك» ستجد صفحات وإعلانات كثيرة تتاجر بأجساد اليائسين من العلاج، منها الخبير السورى «م.م» لعلاج الأمراض المستعصية، والذى يدّعى أنه يعالج الأمراض المستعصية (من خلال تدليك المراكز العصبية للأعضاء المصابة بجلسات لرفع الضغوط عن مراكز الأعصاب المصابة وتدليك المسارات العصبية لإعادة تنشيط العضو المعتل)!!. وإليك بمعجزاته، الرجل الذى يتخذ من «المهندسين» مقرًا له، يقول إنه يعالج: (آلام العمود الفقرى، آلام الرقبة والكتفين، الصداع المزمن، الجيوب الأنفية، تنميل الأطراف، الربو، والأمراض الصدرية.. إلخ) ويبشرنا بنظرية «قصار لوجى» التى يتبعها.
سألت الدكتور والإعلامى «خالد منتصر»، رئيس قسم الجلدية والتناسلية بهيئة قناة السويس، فكتب على صفحة «م. م» ما نصه: (كلام غير علمى ومافيش مراجع علمية تثبت الهراء ده، ولم يقدم فى أى مؤتمر علمى، وسأقدم بلاغًا لوزارة الصحة عن تلك التخريفة اللاعلمية.. كفاكم استباحة لأجساد وصحة المصريين بكلام فارغ من قبيل إعادة النشاط للعضو المعتل بتدليك المسارات!!!.. يعنى بلاش قسطرة قلب وندلك مسارات، وبلاش سوفالدى وندلك مسارات.. كفاية تهريج وبيزنس.. اعملوا بيزنس فى أى حاجة تانية وبلاش صحة الناس)!. ثم فوجئنا معًا بوجود ما هو أفظع: (ليه تذهب لألمانيا.. لما ألمانيا ممكن تيجى لك).. والصفحة منسوبة لفريق طبى وتروج لعقار يقال إنه ألمانى، والكارثة هنا تجاوزت الأمراض المزمنة والعفاريت، فهذا الفريق الغامض الذى يروج لنفسه عبر إحدى القنوات يدّعى أن عقاره المبهم يعالج: (السرطان، أمراض القلب، التليف الرئوى، أمراض المناعة، الجهاز العصبى، والالتهابات الفيروسية والبكتيرية... إلخ القائمة).. وقبل أن تندهش وتبحث عن العقار اسأل: لماذا لا يعالج هذا العقار «الضعف الجنسى والعقم» مثلا؟.. ببساطة لأن هناك صفحات أخرى تتنافس على بيع المنشطات الجنسية «المضروبة»، والسوق لا تتسع لمزيد من المنافسين. إلغِ عقلك وتساءل معى: إن كانت هيئة الرقابة على الأدوية لا ترى مواقع التواصل الإجتماعى، رغم أن لها صفحة على الفيسبوك.. فهل «مباحث الإنترنت» لا تتحرك إلا ببلاغ رسمى من «متضرر»؟.. ليكن، فأين الدكتور «هالة زايد» وزيرة الصحة؟.
لدينا كيانات نقابية (الصيادلة والأطباء)، وهيئات رقابية ووزارة للصحة لا تمل الإعلانات الدعائية عن «صحة الإنسان».. ولدينا مهزلة فعلية على أرض الواقع: بشر يتسابقون فى ماراثون تعيس يسير بقدم عرجاء خلف (العلاج بالقرآن، والتداوى بالأعشاب والأشكال الهندسية، والعقار الألمانى اللقيط).. ومن خلفه كتائب خرافية من شياطين الإنس الذى يلتهمون لحمه قبل عظامه، وشياطين الجن التى تحتاج إلى «مشعوذ» ساحر.
هذا «بلاغ إلى من يهمه الأمر».. إن كان هناك «حياة لمن ننادى».
نقلا عن المصرى اليوم