عاطف بشاي
فى يوم «سجسج» لا حر فيه ولا برد.. هواؤه طيب معتدل عرجت إلى صديقى وأستاذى «ضعدع الضغن»، وقد كان زميلى فى هيئة الجودة المعنية بالتعريب للمناهج الدراسية للمراحل التعليمية المختلفة.. وقد تم الاستغناء عن خدماتنا بعد رحيل الإخوان وحكومتهم.
استقبلنى الأستاذ «ضعدع» باشًّا فى وجهى.. فهو رجل بشاش، فشجعنى ذلك على أن أقترح عليه معاودة تفعيل المشروع النهضوى الانبعراجى العظيم لعودتنا الحميدة إلى العصر الجاهلى السعيد.. وذلك بالسعى من جديد إلى التعريب حفاظاً على الهوية العربية.. وروح الانتماء إليها.. وتدعيماً لغيرتنا على لغتنا العربية الجميلة وبلاغتها.. لا بد من تدعيم أواصرها وازدهارها.
قال وقد اكتسى وجهه الباش بسحابة غبراء من حزن مقيم.. وأسًى عميم:
- ويحك.. لقد تم طردنا شر طردة من كل المجالس.. وصرنا منبوذين من كل المنتديات.. وأصبحنا ضيوفاً على هذا الزمان البغيض بعد لفظ الفصحى الرصينة.. التى كانت سائدة فى لغة الخطاب الرسمى والثقافى والإعلامى.. وانتشرت العامية الركيكة.. وتفشت لغة جديدة سقيمة مسفة.. وبذيئة.. يتداولها الناس وخاصة البراعم النابتة فى مصارف وترع ما يسمونه – والعياذ بالله – «الفيسبوك» مثل: «أحبك فشخ» و«أديك فى الحق سجق، وفى الجركن تركن» و«أعمل معاك الجلاشة».. كما عمت أغانى المهرجانات المبتذلة التى انتشرت ليس فقط فى الحوارى والأزقة.. ولكن أيضاً فى فنادق النجوم السبعة.. ولعلك سمعت عن المدعو «شطة» ورفاقه «بيكا» و«الديزل» و«حمو».. وما أدراك ما «حمو»؟!
لقد أيقنت يا صديقى «العير» (أى العزيز) أن هذا كله من علامات الساعة.. وأن القيامة آتية لا ريب فيها، ولم يعد لدى مثقال ذرة فى أمل رقراق يلوح فى الأفق..
عارضته معارضة جدلية حثيثة.. فانبعج سروراً وامتناناً حينما قلت له إن رائدا لغويا كبيرا مثله قادرٌ على بعث صحوة جديدة فى شرايين المجتمع.. ووافق على تكوين الائتلاف الانبعراجى المقدس.. والعمل من خلاله على الجهاد الكبير لإحياء لغتنا الجميلة التى تنبأ بها الساخر الكبير «أحمد رجب» فى قصته القصيرة «صورة واحد فصيح.. فيها السيارة الفولكس فاجن إلى اسم» الخندافة المأخوذة من صوت البعير فى ترحاله الطويل.. فيقال ناقة «خندافة» أى تخندف خندفة.. وهو لفظ ضارب فى القدم استخدمه الشاعر الجاهلى «حنطيط بن أبى كليئة» فى قصيدة قال فيها: «وتخندفت بعيرنا فى الدعص باهقة تنهشر بالهفار.. وترغو مكداساً».
بادر أستاذى مشكوراً بتأييدى وتحمس لعقد الجلسات الثنائية بيننا.. وكان أول اجتماع لنا خصصناه لتعريب الشيكولاتة، واستقر العزم على تسميتها «بالقاموخ المحلى» وخصصنا الاجتماع الثانى لتعريب «الموتوسيكل» إلى «الزفزافة» والإسكالوب إلى «العرناب».. وقد رأيت ونحن نخطو بخطى قشيبة نحو هذا التطور التقدمى أن نواصل المسيرة الصحراوية فى الليل البهيم الذى تحندس حندسة، فأصبح شديد الظلمة، فباركنا استخدام لفظة «أبلج» ونقيضها «لجلج»، وهما لفظان يلغيان تشدق المتفرنجين الأبالسة الذين يبادرونك بكلمة «بونجور» لتحية الصباح وأولى بهم أن يحيوك بعبارة «أبلجت صباحاً».. ويقال «أبلج الصبح» و«أبلج الحق» بمعنى ظهر، ومؤنثها بلجاء ومصدرها أبلاج وماضيها بلج.. أما «اللجلج»، فهو تعبير عن اللجلجة بمعنى التردد والاختلاط.. فالإنسان يلجلج لجلجة، فهو ملجلج ولجلاج وعلى باطل.. لكن الأستاذ أعرب عن اغتمامه السوداوى، وهو يواجهنى بحزنه «الكظيم»، لأن الأسماء التى ترد فى الكتب المدرسية للنشء من سنابل أبنائنا الغضة أسماء إفرنجية مائعة شائنة رعناء رجراجة.. فالقصة المقررة على الصف الخامس الابتدائى فى مادة اللغة العربية تحكى عن الأرنب «كوكى» الذى ركبه الغرور، فرفض اللعب مع إخوته «مونى» و«نانى».. فصحت: «يا للعار».. واقترحت تغيير اسم «كوكى» إلى «حنظلة بن عبس».. وتغيير اسم «مونى» إلى «الذبيانى ابن الحطيئة».. ونانى إلى «حفصاء بنت المهلهل».
وافقنى الأستاذ فى حبور، وأثنى على جهدى «الصبور».. ودعانى أن أكون دائماً كعهده بى صبارًا شديد الصبر حتى لو كلفنى الأمر أن أصطبر فى تعريب كلمة واحدة سنوات وسنوات.
لكنه ما لبث أن قطب قطوباً بين عينيه وثار ثورة عاتية عاصفة هوجاء حينما لفتُ نظره إلى ضرورة تغيير قائمة أسماء «الكحوليات» ابتداء من «البيرة» مرورا «بالجن» و«البراندى» و«الفودكا» و«الويسكى» وانتهاء بالشمبانيا.. وصرخ كضرغام ضار فى بيداء موحشة.
- ويحك.. وحاشا لله، فلن تمتد يدى ألبتة إلى مجرد كتابة أسماء معربة لمحرمات الكفار.
لا بد أن يسعى ائتلافنا الراسخ الرشيد سعياً حثيثاً نحو إلغاء تلك المحرمات من على وجه البسيطة ونسفها نسفاً من فوق سطح أرضنا الطيبة.. والله ولى السداد والتوفيق.
نقلا عن المصرى اليوم