( 345 -430)
بقلم/ ماجد كامل
يعتبر القديس أوغسطيوس (345- 430 ) هو أشهر آباء الكنيسة اللاتينة ؛ وأبعدهم أثرا ؛ وفي هذا المقال سوف نكتب عن مولده ؛ ونشأته ؛وقصة توبته وإيمانه بالمسيحية ؛ وأهم كتبه ومؤلفاته .
أولا :- مولده :_
+ ولد في 13 /11/ 354 بأحدي مدن الجزائر من أب يدعي باتريكس وأم تدعي مونيكا .
+تميزت مونيكا بحياة مسيحية قوية جعلتها تتحمل متاعب زوجها وحماتها بصبر عجيب حتي جذبتهم إلي الإيمان المسيحي
+ ومن تقواها تهذيب أخوة إغسطينوس حتي صار اخوه الأصغر اب لراهبين وصارت اخته رئيسة دير للراهبات
ثانيا :- نشأته الأولي
كان اغسطينوس في طفولته طفلا شقيا محب للعب ميالا إلي الكسل ؛ وكان يكره الدروس وعندما وصل إلي سن السادسة عشر كون عصابة لسرقة المنازل المجاورة ؛فكان يسرق من ثمرة الكمثري المجاورة لمنزله رغم أن ثمارها لم تنضج بعد ؛كما يوجد بشجرة منزله كمثري لا تقل جودة عنها ؛ ولكن اغسطينوس يعطي في كتاب الاعترافات وصفا دقيقا لما عرف في علم النفس بعد ذلك بحب السرقة Kleptomania
سفره إلي قرطاجنة لدراسة علم البيان :-
وجاءت فرصة للدراسة في قرطاجنة ؛وهناك تعرف علي مجموعة من النساء الساقطات واخذ يتردد علي الملاهي الليلية ؛ وهناك قرأ الكتاب المقدس لأول مرة ؛وخرج عنه بإنطباع سيء بأنه كتاب لا يستحق القراءة ؛ وفضل عنه خطب شيسرون
+ أخذت القديسة مونيكا في البكاء من أجل أبنها إغسطينوس ؛ وفي ذات يوم شاهدت رؤيا انها واقفة علي خشبة وهي تبكي ؛ ووقف أمامها شاب فسألها لماذا تبكين ؟ أجابت ابكي من أجل هلاك ولدي ؛ فرد عليها قائلا :- لا تخافي لن يهلك ولدك . ونظرت وراءها واقفا معها علي نفس الخشبة " الخشبة هنا رمز للإيمان
العوامل إلتي ساعدت علي توبة إغسطينوس :-
1- دموع والدته المستمرة من أجله
2- كان له صديق حميم مرض فجأة فعمده أهله خشية موته دون عماد ؛ فأخذ إغسطينوس يسخر من المعمودية أمامه ؛ فتضايق الصديق جدا وقال له " إغسطينوس ؛ إذا أردت أن تضع حدا لصداقتنا فكلمني عن المعمودية بهذه الطريقة الهزلية " وبعد ذلك توفي الصديق فحزن عليه إغسطينوس جدا وصدم صدمة شديدة
3- جاءته فرصة للسفر إلي روما للتدريس هناك ؛ فحاولت أمه منعه بكل الطرق الممكنة خوفا عليه من روما وشرورها ؛ ولكنه كذب عليها وقال انه ذاهب إلي الميناء لوداع صديق له ثم يعود في الحال ؛ ولكنه ركب السفينة وسافر إلي روما ؛ فذهبت الأم القديسة مونيكا إلي الأب الأسقف وهي تبكي وسألته :- هل يهلك أبني ؟ فرد عليها بالعبارة الشهيرة "ثقي يأنه لا يمكن أن يهلك أبن هذه الدموع "
4- وهو في روما مرض مرضا شديدا ووصل إلي حافة الموت ؛ولكن الله دبر له سرعة الشفاء
5- من روما جاءته فرصة ذهبية أخري للسفر إلي ميلانو ؛ وهناك تعرف علي القديس أمبروسيوس أسقف ميلانو وأستمع إلي عظاته وتفسيراته للعهد القديم فأعجب بها جدا
6- لما علمت أمه بإستقرار أبنها في ميلانو سافرت إليه لتقيم عنده وقالت له ذات مرة " عندي رجاء في المسيح أني سأراك مسيحيا قبل موتي "
7-وكانت لحظة التحول الحاسمة هي سماعه لسيرة القديس العظيم الانبا انطونيوس ؛فتأثر بها جدا ؛ وتقول القصة انه خرج من الحديقة هائما علي وجهه ؛ وهو يصرخ علي وجهه ويقول " كيف سبقنا الغلام الأمي إلي السماء ؟ وإلي متي يارب ؟ ولماذا لا يكون الآن؟ وفجاءة سمع صوت طفل قادما من الحديقة يغني ويقول " أفتح وأقرأ . أفتح وأقرأ " فقام وفتح الكتاب المقدس علي رسالة رومية "13 :13 " وكان عمره حوالي 32 سنة
8- وأخيرا قبل إغسطينوس المعمودية علي يد القديس أمبروسيوس وصار مسيحيا
وفاة أمه القديسة مونيكا :-
وبعد أن أطمأنت القديسة مونيكا علي توبة ابنها ؛ توفيت بعدها وهو في سن 33 . وحاول القديس إغسطينوس في البداية منع دموعه عنها ولكنه لم يستطع فأستسلم للدموعه وقال " الا يمكن ان اسلم نفسي للدموع ساعة من أجل من أجل تلك إلتي كانت تعوم فراشها كل ليلة لأجلي
رسامته قسا :-
وبعد ذلك عاد إلي الجزائر موطنه الأصلي وباع كل ممتلكاته وتفرغ للصلاة والعبادة وتأليف الكتب . وذات يوم دخل الكنيسة ليصلي القداس فأمسكه الشعب وطالب برسامته قسا ؛ وبالفعل تمت رسامته وسكن في بستان ملاصق للكنيسة . وسمح له الأب الأسقف بالوعظ حتي في وجوده "كان التقليد لكنسي وقتها يمنع قيام الكاهن بالتعليم في وجود الأسقف "
رسامته أسقفا :-
وعندما تقدم أسقف هيبو في السن طالب برسامة إغسطينوس أسقفا مساعد له ؛وبعد وفاة الأب الأسقف أصبح إغسطينوس هو الأسقف الرسمي .
أعماله في الأسقفية :-
1- زيارة المرضي
2- مساعدة المتخاصمين علي إنهاء أسباب الخصام
3- بناء بيوت الضيافة والمستشفيات
4- مساعدة الأرامل واليتامي
5- مساعدة الفقراء والمساكين
6- إدارة شئون الأوقاف
مرضه ونياحته :-
وهو في بداية سن 72 سنة أصابت القديس إغسطينوس بعض أمراض الشيخوخة . فبدأ في قراءة بعض مزامير التوبة وطلب الرحمة ؛ وأستمر في القراءة والكتابة حتي وفاته حيث تناول من الأسرار المقدسة وتنيح بسلام في28 /8/ 430 م عن عمر يناهز 85 سنة ؛ ووبعد نياحته وهب مكتبته للكنيسة .
الشق الثاني :- أهم مؤلفاته :-
بلغت مجموع مؤلفات القديس إغسطينوس حوالي 260 مؤلفا ؛ لعل من أشهرها وأهمها :-
1- كتاب الأعترافات
2- مدينة الله
+ مجموعة كتب لاهوتية :- وتشمل :-
ضد أتباع ماني – ضد البيلاجية – ضد الأريوسين
+دراسات وتفسير كتاب مقدس :-
تفسير سفر التكوين – سفر المزامير – تفسير أنجيل يوحنا – رسالة يوحنا الأولي – رسالة غلاطية – رسالة رومية
+كتب أخلاقية ونسكية :-
له كتب في شرح الموسيقي وأهيتها – له حوالي 40 عظة بمناسبة الاحتفال بأعياد القديسين
+ كتاب الإستدراكات Retratationes أو المراجعات وهو اخر كتبه وفيه يكشف عن عمق إتضاعه وإستعداده للتراجع عن أخطائه اللاهوتية والعقائدية وكتبه قبل وفاته ب3 سنوات
الشق الثالث :- منهجه في دراسة الكتاب المقدس :-
ويقوم علي 3 خطوات رئيسية :-
1- قراءة أولية للنص عدة مرات حتي يكون مضمونه حاضرا في ذهن القاريء بل ومحفوظا
2- الشرح وفيه يقوم بشرح المعاني الغامضة وتفسيرها من خلال القواميس المختلفة لمعاني الكتاب المقدس
3- التحقيق وفيه يقوم بمقارنة الترجمات اللاتينية المختلف بعضها ببعض للوصول إلي أوضح معني ممكن
والقديس إغسطينوس يتبني منهج التفسير الرمزي الذي أبدعته مدرسة الإسكندرية اللاهوتية
الشق الرابع :- منهجه في رؤيته للكنيسة :-
آمن إغسطينوس يقدسية الكنيسة وجلالها وذلك لأته رأي فيها :-
1- فيها تتحق نبوات العهد القديم
2-فيها تجد قمة الكمال الروحي
3- كنيسة تصنع المعجزات
4- أنتشرت رغم العذابات والإضطهادات
أخيرا :- عرض لأهم كتابين :-
اولا :- مدينة الله :-
في 24/8/410 وقع حادث جلل هز أركان الأمبرطورية الرومانية ؛ إلا وهو سقوط مدينة روما في يد البربر ؛ فأتهم فلاسفة الوثنية الديانة المسيحية أنها المسئولة عن هذا السقوط والإنهيار وذلك لأن دعوة الزهد والنسك إلتي دعت اليها المسيحية أثنت المسيحين عن القتال وخدمة الدولة الأمر الذي أدي إلي ضعف الامبراطورية وإنهيارها .
تصدي إغسطينوس لهذ الدعوة للدفاع عن المسيحية ودحض هذه التهمة ؛فقال أن إنهيار مدينة روما سببه أنها تخلت عن قيمها التي قامت عليها وأهم قيمتين تخلت عنهما هما :-
أ- الحرية
ب- طلب المجد
وكتب أغسطينوس هذه العبارة وقال فيها ( لقد أراد الله سقوط روما ليلقن درسا لأبناء مدينة الله ؛ لقد حقق الرومان مجد روما عندما كانوا يخلصون لها ويضحون بأنفسهم من أجلها ؛ وما أن تخلوا عن هذا الإخلاص والتفاني حتي سقطت روما ؛ فليكن هذا درسا لنا نحن المسيحيون ليدركوا أن عليهم حب وطنهم الحق وهو مدينة الله بنفس إخلاص وتفاني الرومان في حبهم لوطنهم الأرضي ؛ لأن هذا الحب وحده هو الذي سيحقق لهم المجد الحق ؛ إما التخلي عنه فلن ينجم عنه إلا الهزيمة والخسارة " اي خسارة مدينة الله " اي ان أسباب الإنهيار هي هو ضعف أسباب القيام وهو حب الحرية وطلب المجد) .
ويحتوي الكتاب علي 22 فصلا مقسمين كالتالي :_
أ- 10 مقالات ضد الوثنية والدفاع عن المسيحية والرد علي الإتهامات الموجهة إليها
ب- 12 مقالة في التاريخ العام ومغزاه مع عرض المباديء المسيحية التي من شأنها تحقيق خلاص البشرية
ثانيا :-الأعترافات :-
ظروف كتابته :-
كتب القديس إغسطينوس كتاب "الاعترافات" بغرض تسجيل قصة حياته وظروف إرتكابها ثم توبته ؛ وهذا النوع من الكتابة يعرف بـ"أدب السيرة الذاتية" Autobiography
محتويات الكتاب :-
يتكون من 13 فصلا تحت عنوان " الحداثة – الفتي المراهق – في قرطاجنة- عواصف وظلمات – وميض في الليل – لحاق أمه إلي ميلانو – صعوبة التحرر من فكرته الخاطئة عن الله – صلاة شكر لله – أمله الوحيد- معرفة الله .