سليمان شفيق
بعد ان نشرت دراسة عن المسيحية في السودان والاضطهاد الممنهج الذي فرض عليها، والتحديات التي تواجة الثورة السودانية والحكم المدني ، ننشر مقال د هاني حوراني مدير عام مركز الأردن الجديد للدراسات، والذي سيق نشرة في 18 ابريل 2009 "ايلاف" و صحيفة المدي العراقية ، ويدور حول كتاب مهم للدكتور منصور خالد السياسي السوداني المعروف لما يحمل الكتاب والمقال من رؤية ليست سابقة للتاريخ السوداني فحسب بل وتحمل تخوفات لازالت قائمة نسأل الله ان يتخطاها الشعب السوداني وقواة الوطنية والتقدمية .
منصور خالد محمد عبد الماجد دبلوماسي وكاتب وسياسي ومفكر سوداني. يعد من أكثر الشخصيات السودانية إثارة للجدل نسبة لآراءه المختلفة ولخطورة مناصبه المحلية والعالمية التي تقلدها.
ولد الدكتور منصور خالد بامدرمان العاصمة الوطنية للسودان في يناير من العام 1931 م في حي (الهجرة). وينحدر منصور من أسرة أمدرمانية عريقة فجده الشيخ (محمد عبد الماجد) المتصوف المالكي ، وجده هذا الأخ الشقيق لجد منصور لأمه الشيخ (الصاوي عبد الماجد) الذي كان أيضاً قاضيا شرعيا وعمل في تدريس الفقه إلا أن أسرته قد غلب عليها طابع التصوف وهو ما وثقّه منصور بنفسه في سيرته الماجدية، لقى جميع مراحل تعليمه حتى المرحلة الجامعية بالسودان. درس الأولية بأمدرمان، ثم مدرسة أمدرمان الأميرية الوسطى، ثم مدرسة وادي سيدنا الثانوية العليا، ثم كلية الحقوق جامعة الخرطوم .
سليمان شفيق
منصور خالد : النخب السودانية وادمان الفشل ))
هاني حوراني يكتب :
في مجلدين سميكين أودع د. منصور خالد، الوزير السوداني السابق في العهد المبكر لثورة مايو بقيادة جعفر النميري، عصارة خبرته مع أنظمة الحكم التي تعاقبت على السودان، منذ الاستقلال وحتى انقلاب ldquo;الجبهة القومية الاسلاميةrdquo; بقيادة عمر حسن البشير (ومن خلفه حسن الترابي) واستيلائها على السلطة في السودان. د. منصور خالد سمى كتابه ldquo;النخبة السودانية وإدمان الفشلrdquo;، فهو لم يؤرخ فقط لتعاقب الأنظمة الفاشلة على السودان وإنما دوّن مشاهدات وسجّل أحكاماً قاسية بشأن قادة السودان وأحزابها وفعالياتها السياسية والنقابية، وقبل ذلك قادتها العسكريين في تعاطيهم مع الشأن السياسي.
ليس هناك وصف أدق من ldquo;إدمان الفشلrdquo;، أو المثابرة الحثيثة على الممارسات الفاشلة من جانب نخب السودان وحكامه، والحصيلة معروفة:
سلسلة من العهود العسكرية والتسلط التي تقطعها انفراجات قصيرة من الانفتاح السياسي، ورغم قصر الفسح الزمنية من الديمقراطية فإن ممارسات الأحزاب على اختلافها، من تقليدية طائفية وقومية وناصرية، وأنانيات النخب السياسية والمهنية كانت تزرع بذور الانقلاب العسكري اللاحق كأنها تستحثه أو تمهد الطريق له.
وما يشهده السودان اليوم في عهد البشير هو حصيلة الانقلاب الذي دبره ونفذه يوم 30 حزيران 1989، مع مرشده الأعلى حسن الترابي، الذي، للمفارقة، بات بعد عشر سنوات، خصم البشير الرئيسي، والضحية الأولى له، ولذلك فإنه ما أن أُفرج عن الشيخ حسن الترابي من سجنه في بورسودان حتى طالب، أول ما طالب، الرئيس البشير بتسليم نفسه إلى المحكمة الجنائية الدولية، إنفاذاً للعدالة وتحريراً للسودان من العزلة والعقوبات الدولية!!!
وعليه فإن من الموضوعي أن نتساءل من نلوم ومن نبرئ من قادة السودان المتعاقبين على المصير الذي آل اليه السودان. هذا البلد شبه القاري، الذي تمنيناه ldquo;سلة غذاءrdquo; العالم العربي كما أخبرتنا الكتب المدرسية في طفولتنا، وانتهى اليوم، وليس لديه ما يكفي لسد رمق أبنائه على اتساع ثروات السودان وموارده الطبيعية ووفرة اراضيه الزراعية ومصادره المائية.
السودان الذي تحرر من ربعة الاستعمار البريطاني في أواسط الخمسينيات، ليصبح أحد الخيارات الممكنة لديه أن يكون الاقليم الجنوبي لبلاد النيل التي تشكل مصر اقليمها الشمالي، انتهى، قبل سنوات عدة، إلى نزاع دموي وحشد متبادل للقوات مع مصر، حيث تنازعا على منطقة الحلايب الحدودية. لكن الأهم من ذلك أن السودان ما أن انتزع استقلاله حتى دخلت نخبه الشمالية الحاكمة في الخرطوم في نزاعات حادة مع أطرافه، وتحديداً مع جنوبه- الافريقي غير العربي وغير المسلم، وهو النزاع الذي تحول إلى حرب أهلية مديدة لم يهدأ أُوارها الا قبل سنوات، بعد اتفاق السلام في نيروبي (2005). لكنه سلام قلق مهدد بانسلاخ الجنوب عن الشمال، خاصة في ظروف العزلة الدولية والحصار والإدانة التي تحيط بالنظام السوداني، بسبب مأساة دارفور.
وفضلاً عن الجنوب فإن نزعات التمرد لم تتوقف عن الانفجار في شرق السودان وغربه، وتحولت في اقليم دارفور، خاصة، إلى مأساة انسانية ومشكلة اقليمية ودولية، حيث لم يشفع لمواطنيها انهم مسلمون، بل وكان موطنهم مركزاً حضارياً مرموقاً للاسلام في القارة الافريقية.
يتحمل نظام عمر البشير مسؤولية خاصة وراهنة عن المصير الذي انتهى اليه السودان خلال العقدين الأخيرين. لكن مشكلات السودان وانفجاراته وتشرذماته لم تبدأ معه. بل كنا نظن أن هذا النظام حقق اختراقاً تاريخياً، حين نجح في وضع حد للحرب الأهلية مع الجنوب ووقع اتفاق للسلام مع جورج جارنج الزعيم الراحل لجيش تحرير السودان الشعبي. ما يتحمل المسؤولية عن ldquo;ادمان الفشلrdquo; في السودان هو نخبه العربية المسلمة في الشمال التي نظرت بدونية إلى مكونات السودان القومية والاثنية والدينية الأخرى، وتصدت بوسائل القمع والتسلط لتطلعاتها نحو العدالة والمساواة والحرية، ومارست أبشع أشكال الشوفينية والتعصب معها على امتداد اكثر من خمسة عقود.
السودان ضحية نخبه الحاكمة والسائدة أكثر مما هو ضحية المؤامرات والأطماع الاستعمارية. بل أن الأخيرة باتت حرة وطليقة في السودان، تحديداً بسبب سلوك النخب السودانية وانقساماتها وتضييعها للفرص المتكررة لقيام حكم مدني ديمقراطي متحضر. وما نظام البشير الا تتويج لهذا الفشل وذروة من ذراه.
يوماً ما كان السودان مثالاً لتعايش التيارات السياسية ولقبولها بعضها البعض، لكننا نكتشف اليوم أن التسامح والتعايش لم يكن الصفة الأبرز للنخبة السودانية، وإنما التمترس وراء الاختلافات المذهبية والطائفية والمصالح الذاتية الضيقة. ومن المؤسف أن الموقف العربي إزاء المشكل السوداني الراهن، نعني مشكلة الرئيس السوداني عمر البشير مع المحكمة الجنائية الدولية، لا يمثل مجرد تضامن ودعم مجاني له، وإنما يبرهن على ضعف حساسية العرب عموماً تجاه ضحايا نظام عمر البشير، ومن سبقه من حكام الخرطوم، نعني بهم السودانيين الأفارقة من غير العرب، حتى ولو كانوا مسلمين. ولا عجب أن يلجأ بعضهم إلى الشيطان، ولا سيما الشيطان الاسرائيلي، شأنهم في ذلك شأن أقليات وإثنيات عديدة في العالم العربي.
انتهي مقال هاني حوراني حول كتاب منصور خالد الذي يشيرالي ان القوي المدنية دائما تقود الشعب السوداني لاسقاط (عبود ونميري ) ثم تتعاطف القوي القديمة حزب الامة مثالا مع الاخوان ولكن العسكريين يحتون الاخوان ويسقطون الحكم المدني .
وياخفي الالطاف نجنا مما نخاف .