دقيـقة حـداد على سقـوط "مصر"
بقلم: هـاني شـهدي
دعـوني أبدأ من حيث تسقط "مصر" أمامنا يومًا بعد يوم، فسقطت دموعي ودموعنا كلنا، وحقًا بكينا. وحيث سقطت دموعنا على "مصر" الغالية علينا دعونا نقف دقيقة حداد على كل من:
1- كرامة المواطن المصري: كرامة أو مكانة أي إنسان على مستوى العالم تحدَّد دوليًا من خلال الدولة التي يحمل جنسيتها، ثم تحدَّد شخصيًا من خلال الإنسان ذاته. مثلًا لو فيه شحات أمريكاني أو إنجليزي مسافر للاشتراك في مسابقة للشحاتين على مستوى العالم سيلقى تقدير واحترام في المطارات، نظرًا لجواز سفره الأزرق أو الأحمر أكثر من أكاديمي أو باحث من دول العالم الثالث أو مصري مثلًا مسافر في رسالة ماجستير أو دكتوراة ويحمل في يده جواز سفره المصري (كتاب القراءة سابقًا).. دول تُجبر العالم على احترام مواطنيها في أي مكان. نصل إلى أنه لم يتبق لنا غير احترام الإنسان لذاته داخل دولته، استرجعنا هذا الاحترام وبجدارة في نجاح ثورة يناير التي أذهلت العالم كله بسرعتها وشياكتها وإصرار شبابها، (وذكاء حكامها المخلوعين في الرحيل وايجاد خطة بديلة.. كل واحد ياخد حقه). الآن.. فقدنا كل هذا في الأحداث الأخيرة، وألقي المواطن المصري بهدومه وما تبقى بداخلها له من كرامة بكتاب قراءته وكتاب إهانته في صناديق الزبالة أمام العالم كله في أشهر ميادين العالم ٢٠١١، ومن قِبل حكومته أيضًا. فهل المواطن المصري العظيم = كوم زبالة؟!. أنا حقًا حزين.
2- شرف المواطن المصري: المثير أن كل تراثنا وفنوننا وأفلامنا تكلمنا عن الشرف، فاضطررنا بعد الثورة أن نقيم لهذا الشرف تمثال ونسميه الـ"عصام شرف"، وما أن سقط هذا العصام (عفوًا التمثال) حتى سقط معه الشرف وشرفنا أيضًا، ثم لم نستطيع أن "نجنزر" هذا الشرف ثابتًا محميًا في نفوسنا، بل نجح العسكر ببراعة في تلطيخ وتعرية هذا الشرف أيضًا أمام العالم كله.. لدرجة أن القديسة الشريفة "هيلاري" صرَّحت بأن تمزيق ملابس محتجّة هو وصمة عار (من خبرتها السابقة كزوجة للقديس "كلنتون" تعلم أن تمزيق ملابس محبّة يأتي بالرضا والحنيّة). هو نفسه مشهد سحل "محمد أبو سويلم" في فيلم شرفنا الشهير الأرض.. عسكرنا تعلموا من السينما كالأطفال الصغار "كانوا رجالة وسحلوها سحلّة رجالة".. لازم نمنع عرض مثل هذه الأفلام على العساكرالصغار والأطفال الصغار، أو لازم نحـزنْ.
وكلما أطل علينا المجلس العسكري والشرطة ليحدثونا عن "أصابع خفية"، أتذكر على الفور فيلم The Others -For: Nicole Kidman "الأخرون" لـ"نيكول كيدمان" لنكتشف في نهاية الفيلم أنهم هم أنفسهم الآخرون والأشباح وبيخدعونا.
3- الوحدة الوطنية المصرية: وهي محرك السلام في حياة المصريين، تعطّل وفسد هذا المحرك في ظل سخونة الأحداث المتعمدة من قِبل المندسّين من هدم كنائس ودهس متظاهرين ودنانير نفطيّين، وأيضًا تغذية وتشويه متعمد للإخوان والسلفين المسلمين بالنصب والتزوير في عيون غير المسلمين للحصول على "برلمان مرتاح وكراهية مرتاحة" للإخوان والسلفين دون أن يدروا. هم أنفسهم فازوا بالبرلمان وخسروا أبناء وطنهم. ولكن يبقى أمل المعايشة، حيث حقًا ودون أن أدري "بكيت" في الجنازة المهيبه للشيخ الأزهري "عماد عفت" حيث بكى كل شيوخ المسلمين كما بكى المسيحيون في "ماسبيرو" (كلًُ يبكي على عماداه ومِيناه).
تذكَّرت على الفور صديقي الأزهري الشيخ "بكر" أو الشيخ "بيكو" كما كنت أناديه من أول يوم جمعتنا الخدمة العسكرية سويًا، قضينا أصعب وأمتع الأوقات، كنا نتعامل من أرضيّة واحدة وهي أننا أنا وهو "أبناء مصر" بقت هذه المودة والمحبة سنوات، حتى عند سفري خارج "مصر" كان يرسل لي خطابات الود الكريمة، ويحذِّرني من "الفرنجة وبنات الفرنجة".. تحية ود للشيخ "بكر"، وأنا أرسل لك وأقول: "خلي بالك يا بيكو من نفسك، ومن مصر، وبنات مصر أصل مصر مش هي مصر ولا العسكر هي العسكر".
4- الديمقراطية المصرية: جنين في رحم الثورة المصرية، ما أن بدء يكبر حتى استشعرته يد الطبيب العسكري في المستشفى العسكري، وضغطت عليه "ضغطة موت" بس لسّة فيه النفس فركلته لإشاعات الإخوان والسلفيين ومضادات حيوية وطنية مسمومة للمسلمين البسطاء وأطعمته وزودته بالسكر والصابون والزيت فمات "ياعيني" قبل أن يُولد.. سيولد جنين ديمقراطي ميت فاقد للحياة والشرعية.. مشوَّه.. موته أفضل من حياته. "بيني وبينكم": شعب منذ ولادته عاش طول عمره مقهور، إزاي تكلمه عن الديمقراطية فجأة؟.. مقهور في عمله من رئيسه، مقهور في كليته من أستاذه، مقهور في طابور العيش، مقهور من زوجته وعياله، مقهور في عبادته، في كل هذا القرار ليس قراره.
5- الاقتصاد المصري: منذ أكثر من (٣٠) سنة واقتصادنا محبوس كالفأر المذعور المبلول في زجاجة مظلمة وراضيين، الثورة كسرت له هذه الزجاجة لينطلق، لكن حتى الآن كلما يترقب الفرصة لينطلق حتى يرجع خطوة للخلف ويأخذ حذره.. "يا خوفي لا يكون هو وقف أصلًا فوق لاصق مصيدة الفئران وهو مش دريان."
6- التعليم والتربية والبحث العلمي: حقيقةً، وبغير مجاملة، الدماغ المصرية من أرقى وأذكى العقول، وهذا هو الجين الذي ورثناه عن أجدادنا الفراعنة، لكنها للأسف الشديد "توظَّف" بطريقة خاطئة، فما الفائدة؟ لن أتكلم عن "زويل" و"الباز" و"مجدي يعقوب"، فهؤلاء كَبروا وكبّروا دماغهم بّره "مصر"، أما الـ "جوّه مصر" طبيب في خامسة طب يُقتل، تشوّيه مهندس صاحب رسالة ماجستير في "استخدم النانو تكنولوجي في الهندسة المعمارية". يا باشمهندس في "مصر" السنة كلها بتعدي وبالراحة مش بنحس بيها، شوفلك بلد تقدّر الثانية وأجزاء الثانية، غالبية متعلمينا أصحاب شهادات جامعية وأيضًا أصحاب أخطاء إملائية فادحة، فأين هو التعليم؟ والمعلم مكسّور ومعذور ربنا يعِينه، والتربية أنزل الشارع وأنت تشوف العجب.. بجدارة أعلى نسبة تحرش رغم النقاب وبلطجة رغم الفقر.. شعب عظيم وغــريب.
وبهذا نصل لدقيقة حداد على كذا ودقيقة على كذا وكذا وكذا.. أقولكم: تعالوا نقف لنهاية ٢٠١١ حداد على "مصر" الغاليــة.
لكـن أنا مقتنع "إن لم يبن الرب مصر فباطل يتعب المصريون والمظاهرات والثورات والاعتصامات، وإن لم يحم الرب مصر فباطل هو سهر الجيش والشرطة واللجان الشعبية".
"مصـر" محـتاجـة مُعجـزة.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :