وحيد عرض على عادل ورق فيلم جديد فرفضه: «مش هو ده يا وحيد»
٣ أسباب للقطيعة بين الصديقين على رأسها غرور الزعيم
كان ذلك فى عام ٢٠٠٩، حين أرسل وحيد حامد «ورق فيلم جديد» إلى عادل إمام، وانتظر طويلًا حتى رد: «مش هو ده يا وحيد». خرج عادل «نصف مكسور» من تجارب ضعيفة ولا تليق به- طبقًا لرأى وحيد حامد- آخرها «بوبوس»، و«حسن ومرقص»، و«مرجان أحمد مرجان»، وكان يحاول أن يداوى هزائمه فى سوق السينما، وشبَّاك التذاكر بالعمل مع مؤلفين ومخرجين جدد، فبدأ يستعين بعمرو عرفة ونادر صلاح الدين لفيلم «زهايمر». يحكى وحيد حامد أنه عرف بما يجرى، فأرسل فيلمًا جديدًا إلى عادل إمام كى ينقذه من «النهاية المأساوية لأى فنان كبير وعجوز»، ويقول: «رجَّع لى الورق مرة تانية، ورفض يعمله». يومها، تأكَّد وحيد أن «خلاص، أنا وعادل مش هنشتغل مع بعض تانى». ووحيد حامد وعادل إمام صديقان تاريخيان قبل أن يكونا بطلًا ومؤلف أفلامه: «كان عادل- لسنين طويلة- ييجى يقعد هنا قدامى مكانك- حين تطلب لقاء وحيد حامد، يدعوك إلى «فنجان قهوة» فى فندق «جراند حياة ميريديان القديم» بوسط القاهرة، حيث يقع «وكره» لتحضير أفلامه القديمة مع عادل إمام، وطرفهما الثالث شريف عرفة- ونأكل ونشرب ونهزَّر ونجهز لأفلامنا الجديدة لغاية ما بقيت أتصل به مايردّش»!.
لكن ما أسرار القطيعة الكبرى؟
يروى وحيد حامد تفاصيل مشهد جمعه مع عادل إمام وشريف عرفة لأكثر من ١٠ سنوات بفندق «جراند حياة»: «كنَّا نقعد بشكل شبه يومى بخصوص شغلنا، وأنا كنت صاحب الكلمة الأولى والأخيرة، محدش فيهم يجرؤ يعدّل علىّ كلمة».
حينها، كانا ينامان معًا تحت شجرة المصلحة، التى تطرح أفلامًا وتذاكر ونجومية. ومن الطبيعى أن يكون رأى عادل إمام فى وحيد حامد أنه «مؤلف من نوع خاص جدًا فى تاريخ السينما المصرية، وقد وجد كل منا الآخر، فنحن رفاق سلاح، خاصة فى موقفنا ضد الإرهاب، عملت معه أكثر من فيلم مثل: (الهلفوت) و(الإنسان يعيش مرة واحدة) و(الغول)، وعندما جاءت موجات الإرهاب وأغرقت مصر والمنطقة العربية فى دوامة من المشاكل، شعرنا معًا بأن الفن فى خطر أيضًا، لذلك صنعنا معًا العديد من الأدوار المهمة والأهم من ذلك أنها أدوار من تلك التى تثير المشكلات».
ومن وجهة نظر وحيد حامد أن عادل إمام «تجاوز آفاق النجومية فى عالم التمثيل وأصبح الفنان الأكثر ارتباطًا بوجدان الناس، لأنه وعن قناعة أصبح أحد المهمومين بقضايا الناس والوطن، وأعلن عن هويته السياسية والاجتماعية والفنية بوضوح، هو ممثل الجيل بلا شك، يصلح لتأدية جميع الأدوار ما عدا ابن الذوات، ولكنه المثقف ونصف المثقف والحرفى واللص، والتفاف الجمهور حوله بهذه الكثافة لا يعنى إلا صدق الأداء. فالجمهور بمختلف طبقاته يرى فيه نفسه، ولو راجعنا تعليقاته كل ليلة فى مسرحياته سوف نكتشف أنه ينقل الحوادث اليومية إلى النص بذكاء الواعى والمستوعب».
لكن ما جرى عام ٢٠٠٩ كان مختلفًا عن تلك المجاملات الملفوفة بـ«ورق هدايا»: رفض عادل الفيلم والدور والتعاون مع كاتب سيرته القديم، وقَصَدَ بـ«مش هو ده يا وحيد» أن حكاية الفيلم لم تعد مناسبة له الآن، ومضى إلى فيلم «زهايمر» بنفسيّة تائه عجوز يصرّ على خلطته «السحريّة» التى فقدت إغراءها أمام شبَّاك التذاكر، وقدرتها على إضحاك الجمهور.
لم تكن الغلطة الأولى، التى تؤدى إلى غضب وحيد حامد على عادل إمام.
علاقة الاثنين ظلَّت متوتّرة منذ «النوم فى العسل». كان عادل إمام بطل الفيلم، لكنه «طلب تعديلات على السيناريو، وبقى يتدخل، ويقول: نشيل ده ونحطّ ده» بينما كان وحيد حامد مؤلفًا متعاليًا للدرجة التى لا تجعله يسمح لأحد بالتدخل «محدش بيعدّل علىّ كلمة»، فقرَّر ألَّا يعود إلى عادل إمام مرة أخرى.
طبقًا لعدة روايات، اختلفت أسباب توتر علاقة عادل ووحيد.
السبب الأول أن عادل سرق مشهدًا.
فى واحد من حواراته مع صحيفة «الأحرار» عام ١٩٩٨، قال: «خلافى مع عادل إمام بسبب مشهد مسروق من (الإرهاب والكباب)».
يدسّ وحيد السر دون تفاصيل: «شعرت بأن هناك مشهدًا من فيلم (الإرهاب والكباب) الذى قمت بتأليفه منقولًا بالمسطرة لفيلم آخر لعادل كان قد كتبه مؤلف غيرى».
وقتها، ترددت أخبار عن تعاون قريب بين وحيد حامد و«قائد المضحكين الجدد» محمد هنيدى، الذى بدأ وقتها، يتحدّى عادل إمام ويناوره فى تصريحات صحفية بعدما هزمه فى شباك التذاكر بفيلم «صعيدى فى الجامعة الأمريكية»، وسَرَت نميمة أن تلك الأخبار «تسريبات نشرها وحيد حامد لاستفزاز الزعيم»، ورد بقوله: «علاقتى بهنيدى طيبة جدًا، لكن من ناحية التعاون الفنى بينى وبينه، فهذا لم يحدث حتى هذه اللحظة».
السبب الثانى هو «اضحك الصورة تطلع حلوة».
يقول وحيد حامد إنه عرض بطولة «اضحك الصورة تطلع حلوة» على عادل إمام.
يرفض عادل الفيلم فتذهب البطولة إلى أحمد زكى.
لم يكن وحيد- حينها- يثور من رفض عادل بعض السيناريوهات لسببين، أنه يجد بدائل مثل أحمد زكى ونور الشريف ليقوما بالبطولة، والثانى أنه يرفض بحجة عدم ملاءمة الورق له، ويطلب فيلمًا آخر.
فى ٢٠٠٩، لم يطلب عادل فيلمًا غيره، وبدا أنه تجاوز وحيد حامد بزمنه وأفلامه، ولم يجد وحيد بديلًا لعادل. كان الفيلم على مقاسه وحده من بين كل النجوم الكبار.
هل نصل إلى المشكلة؟
يقول وحيد فى تصريح صحفى إن «(اضحك الصورة تطلع حلوة) أحسن فيلم فى حياته».
يستفز التصريح عادل إمام، فيغضب، ويفشل فى كتمان غضبه حتى يقابل وحيد حامد.
يتصل به- محمَّلًا بشحنات «الغِيرة المزمنة» من أحمد زكى- ويعاتبه: «يعنى يا وحيد ده أحسن فيلم فى حياتك؟ أحسن من (الإرهاب والكباب) يا وحيد؟ والمنسى؟ والنوم فى العسل؟ وطيور الظلام يا وحيد؟ فكّر تانى».
كان عادل- بطبعه- يبتز أصدقاءه نفسيًا كى يوافقوه على آرائه طوال الوقت، وليخرج وحيد حامد من الموقف المحرج، قال له: «أنت عارف يا عادل، المؤلف بيقول على آخر أفلامه إنه أفضل واحد عشان خاطر يسوَّقه».
السبب الثالث أنّ عادل أصبح مغرورًا.
نحن الآن فى ٢٠٠٦.
انتهى عادل إمام من تصوير «عمارة يعقوبيان»، وهدأت علاقته بكل من شاركوه فى الفيلم، كى يعود إلى كهفه المريح.. الأفلام الكوميدية.
يندهش وحيد حامد من عدم اهتمام عادل به، ويقول- فى جلسة وديّة- إنه «أصبح مغرورًا ومتعاليًا ولا يرد على تليفونات أصحابه».
ويتساءل: «بقى اللى عمل عادل أفلام الجردل والكنكة وعنتر شايل سيفه ورجب فوق صفيح ساخن، هو ده اللى عمل عادل إمام؟».
كان وحيد حامد مؤمنًا بأنه هو من صَنَع الزعيم، فيزيد مما يحمل فى قلبه: «شيل من تاريخه الأفلام اللى عملتها له وقل لى عادل إمام هيبقى إيه؟»، فكيف لا يرد على تليفوناته ويرفض ورق فيلمه الجديد؟
هل كان عادل إمام مغرورًا؟
فى إحدى الندوات، سأل كاتب صحفى شهير عادل إمام: لماذا أصبحت مغرورًا؟، فقال له: آه أنا مغرور، ومش مهم السبب.
اندهش عادل من جرأة الصحفى: «سألنى خَبْط لَزْق، ولم يكلف نفسه ويسألنى مثلًا: هل أنت مغرور؟ أو (يقولون إنك أصبت بالغرور فى الفترة الأخيرة بسبب كذا وكذا، فهل هذا صحيح؟)، فأجبته: آه أنا مغرور.. وطبعًا الصديق المحترم ما صدَّق وفى اليوم التالى كان العنوان بالبنط العريض فى الجورنال.. (عادل إمام يعترف: أنا مغرور)».
أمسك عادل بسماعة التليفون كى يتصل برئيس التحرير، ويوضح له الموقف وحكاية التصريح الغاضب، لكن.. «قلت، مفيش داعى، وسألت نفسى: مش جايز تكون مغرور فعلًا؟.. مش جايز الصحفى المحترم عنده حق؟ ورحت أحاسب نفسى ووجدت أننى أحسبها بالشعرة وأننى محصن ضد الغرور».
يبرر عادل ما يبدو غرورًا بقوله: «ربما يكون اعتزازًا بالنفس أو احترامًا للعمل الذى أقوم به ولا أحب أن يتدخل أحد فيه بشكل سيئ، لكن هذا يغضب بعض الناس بسبب العشوائية التى نعيش فيها، ولأن النظرة إلى الفن والفنان لم تصل بعد إلى الدرجة التى وصلت إليها فى مجتمعات أخرى أكثر تقدمًا. وسألت نفسى رابع وخامس: هل يستطيع صحفى مثلًا أن يقتحم غرفة العمليات ليسأل الطبيب عن العملية المقبلة التى سيجريها، أو عن إحساسه بعد نجاح العملية؟ أو يقتحم اجتماعًا فى أحد البنوك من إذن للاطلاع على خبر أو التدخل فى الحوار؟».
ويضع نقطة نظام كان يعدّها كى تريحَه ويلقى بها فى أى حوار صحفى ليضع حدًا للصحف التى تهاجمه و«لا ترحمه»: «لماذا يفعلون معنا ذلك فى أحيان كثيرة ويطلبون منا أن نقبل ونسكت، أو يتهموننا بالغرور؟ أليس من حقى أن أركز على عملى وأضمن شروطًا وظروفًا جيدة للإبداع لى وللفريق الذى يعمل معى؟».
ما يقوله عادل إمام لا يمنع أنه تغيَّر، وبدأت مرحلة جديدة فى حياته عام ٢٠٠٠.
أصبح لدى عادل أصدقاء جدد، ورحلات لم يكن يحلم بها أبدًا، ونشاط مهم تتابعه كاميرات وكالات الأنباء، وليس مصورى «الباباراتزى» فقط، وخلع عباءة «الأراجوز المضحك».. ومن الطبيعى أن يتغير، وتأتى صداقته بنجوم عالميين- قادمين من نيويورك وباريس ولندن- على حساب صداقته بـ«رفاقه القدامى».
نحن الآن فى مساء ١٨ يناير ٢٠٠٠.
اجتمع مسئولو مفوضية اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، على نيل القاهرة، ومنحوه لقب «سفير النوايا الحسنة»، وقال «بيترسون»، مساعد مدير المفوضية العليا لشئون اللاجئين، إن «شعبية عادل إمام مكسب كبير للنشاط الإنسانى للمفوضية».
تلقى التهنئة من عبدالقادر حاتم، نائب رئيس الوزراء، وفاروق حسنى، وزير الثقافة، وأسامة الباز، مستشار الرئيس، وجمال مبارك، وبدأ يرى نفسه مناضلًا سياسيًا يمسك بسلاح السينما، وليس أقلَّ من أى رجل دولة أو سياسى آخر.
المنصب الجديد يقتضى تغيير قائمة الرفاق، فاعتبره أصدقاؤه الأصليون «مغرورًا ومتعاليًا».. فمن هم أصدقاؤه الجدد؟
يقول: «جميل أن تقابل جميع رسل السلام فى العالم: الممثل المشهور مايكل دوجلاس ابن نجم النجوم كيرك دوجلاس والفاتنة أنجلينا جولى والنجم دانى جلوفر، والفائز بجائزة نوبل فى الآداب، نادين جورديمر، ونجم كرة القدم البرازيلى رونالدو، والملاكم الأسطورة محمد على كلاى الذى عانقنى حين عرف أننى من مصر، فذكرته بالملوخية التى أكلها فى مصر وكانت سبب هزيمته فى المباراة التالية، ولم يتمالك نفسه من الضحك».
بدا غرور عادل إمام زائدًا.
لم يكن ما يقوله وحيد حامد هو الإشارة الوحيدة إلى أنه «يتعالى على أصدقائه».
نفسية الزعيم- التى تصاحبه منذ ميلاده- تدفعه إلى الغرور، حتى إنه تنكّر لـ«زكى جمعة»، وسخر منه فى «مدرسة المشاغبين».
ألقى عادل إمام «بهجت الأباصيرى» إفيهًا لم يكن مكتوبًا فى حوار المسرحية: أيام طه حسين ورفاعة الطهطاوى وعلى مبارك.. وزكى جمعة.. مين زكى جمعة ده؟
ظلَّ زكى جمعة مجهولًا لفترة طويلة، وبدا أن «الإفيه» اندفع من عقله الباطن، حتى كشف عن حكايته فى إشارة عابرة فى واحد من حواراته الصحفية.
زكى جمعة هو قائد عادل إمام فى فريق التمثيل بجامعة القاهرة، ونجم مسرحيات كلية الزراعة، وهو الذى أدخله البروفات وطلب منه مشاهدة عروض المسرح، وسماع موسيقى كلاسيك فى الأوبرا، وأعطاه كتبًا لدرينى خشبة والدكتور محمد مندور ومجموعة من النقاد، وقوّى ثقته بنفسه حين رشحه ليقف على المسرح لأول مرة فى حياته، ثم اختاره ليكون خليفته فى قيادة فريق التمثيل حين تخرج وهاجر إلى الولايات المتحدة.
ولم يكن زكى جمعة وحده هو الشاهد على «غرور» عادل إمام، وتبرئه من ذاكرته.
من بين أفلامه ما يشهد أنه تغيّر، وأصبح لا يتقبل الناس والأشياء «القديمة» بسهولة. ففى واحد من أدواره الأولى، قدم شخصية «صَبى عالمة» فى فيلم «سيد درويش» بينما ينهار جيله تحت حطام «نكسة ٦٧».
وبعد عشرات السنين، ندم على هذا الدور ولا يزال يشعر بالخجل منه كلما عرض فى التليفزيون لأنه «فضيحة ولا يليق برجولته ووضعه ونجوميته»، رغم أن أداءه كـ«نصف رجل مرهف يتحسس الحياة من تحت قدمى راقصة» كان مبشِّرًا بـ«ممثل فذ».