بقلم: مجدي ملاك
ما نُشر من أخبار حول انتهاء الشق الجنائي الخاص بقضية دير أبو فانا وقيام كل طرف من الأطراف بتغيير شهادته ضد الطرف الآخر هو في الحقيقة يعتبر مهزلة قانونية واجتماعية وليس لها علاقة برغبة الطرفين في السلام الحقيقي، الصلح يجب أن يكون عن اقتناع تام بعد إزالة أسباب الصراع ولكن أن يتم الصلح دون أن يكون هناك أساس لهذا الصلح فتلك الأزمة الكبرى التي يجب أن يلتفت لها كل من الطرفين، فهذا النوع من الصلح هو في الحقيقة تأجيل للصراع المقبل وليس إنهائه بشكل كامل، ولا يجب أن يفهم أحد من كلامي أنني أدفع في اتجاه الصدام بين الأطراف المختلفة، ولكن في كل مرة تنتهي فيه أي حادثة طائفية بالصلح يتجدد الصراع مرة أخرى في مكان آخر وفي منطقة أخرى وربما يكون أكثر شراسة من الذي قبله، وهو ما يعني أن كل جلسات الصلح التي تمت من قبل والتي سوف تتم من بعد هذا الصلح لن تستطيع أن تقضي على المشكلة أو مجمل المشاكل الطائفية التي توجدها الدولة المصرية ولكن ربما يزيد هذا الصلح من المشاكل والصدامات الطائفيات، والسبب في ذلك بالطبع أن أخبار ذلك الصلح تُفهم على أنها السبيل لإنهاء تلك المشاكل ومن ثم يعتقد الكثيرين أن أي اعتداء من جانبهم على الأقباط سواء كان قتل أو انتهاك لسيادة القانون سينتهي بالصلح، ومن ثم سيشجع هذا بشكل غير مباشر على زيادة الحوادث الطائفية التي كثرت في الفترة الماضية.
الصلح دون وجود مصالحة حقيقية من جانب جميع الأطراف هو أمر في غاية الخطورة لأن الصلح يتم لاعتبارات ترغب فيها الدولة من أجل إنقاذ سمعتها دون الاهتمام بالجوانب الأخرى الأكثر أهمية في تلك القضية، فالدولة المصرية تسير بمبدأ تأجيل الحل بشكل مستمر مراعاة لتوازنات لا تخدم صالح الوطن والمواطنين ولا تحقق العدل والمساواة بينهم، وبحيث أصبح العُرف هو الذي يحكم الدولة المصرية أكثر مما يحكمها القانون خاصة في القضايا والحوادث الطائفية، وهي المشكلة الأكبر التي تواجه الدولة المصرية.
ولنأخذ على سبيل المثال قضية الكُشح التي قُتل فيها ما يقرب من 21 شخص تم قتلهم والتنكيل والتمثيل بجثثهم، وفي المقابل قضية وادي النطرون التي حُكم فيها على 24 شخص بالإعدام، سوف نجد الآتي:
* القضية الأولى تخص الأقباط وكل القتلى من الأقباط، ومن ثم جاء الحكم بالبراءة على كل من قتل قبطي، كيف تم هذا؟ لا أعرف في الحقيقة!!!، ولم أجد أي قانون في العالم يحكم على أشخاص قاموا بقتل 21 شخص بالبراءة، والتفسير الوحيد لذلك الموضوع أن الدولة المصرية تتعامل بماء بارد في كل ما يخص الأقباط.
* القضية الثانية قام فيها القاضي بالحكم بالاعدام على 24 شخص في قضية شجار وليس قضية اعتداء طرف على آخر مثلما حدث في قضية الكشح.
كان مبرر الدولة في حكم قضية الكشح أنه تم الصلح بين الأطراف، ولا أعرف اى صلح هذا الذي يتم في قتل 21 شخص بهذه الطريقة التي شاهدها العالم كله!
الأخطر والمسكوت عنه في تلك القضايا التي يجب أن نفتحه دون أن تكون هناك حساسية في فتح ذلك الملف، هو دور الكنيسة التي تقبل محاولات الصلح بدلاً من القانون، وعلى الرغم من ان الكنيسة قد جرّبت هذا النوع من الصلح في أكثر من مرة ولم يؤتي ثماره إلا أنها تصر على الخضوع للدولة المصرية فيما يتعلق بجلسات الصلح، وعلى الرغم أن الكثير من قيادات الكنيسة في الداخل يعتقد ويؤمن أن جلسات الصلح لن تأتي بنتيجة طويلة الأمد وأن تلك الجلسات هي في الحقيقة مسكنات لمرض خطير يجب القضاء عليه ويجب على الدولة أن تسعى للقضاء عليه بالقانون وليس بالجلسات العرفية، وعلى الرغم من ذلك نرى أن الكنيسة في النهاية تخضع لرغبة الدولة المصرية في عقد جلسات الصلح التي تزيد الأمر تعقيدًا من وجهة نظري ولا تقلل من حجم المخاطر التي يتعرض لها الأقباط بشكل عام.
إعمال القانون لا يجب أن يُفهم منه أن الكنيسة ترغب في الصدام مع أحد، ولا يجب على الكنيسة أن تخضع لذلك التفسير، فمن حق الكنيسة الدفاع ضد ما تتعرض له بالقانون، لأن ذلك هو الحل الأمثل لتلك القضايا لأن الكنيسة بتلك الموافقات تساهم بشكل أو بآخر في تكرار تلك الاعتداءت عليها أو على أبنائها، خاصة أن الدولة المصرية تمارس دور سلبي تجاه إعمال القانون خاصة في تلك القضايا.
توجيه الرأي العام لذلك النوع من القضايا هو ايضًا توجيه خاطئ، حيث ترحب وسائل الإعلام في معظمها بعملية الصلح وكأنه خلاف بسيط وأن الحل الوحيد هو الصلح، فالإعلام أيضًا دوره سلبي ولا يقوم بعملية قيادة حقيقية للرأي العام، فهو غير قادر على نقد نفسه ونقد الآخرين، فلم تطرح أي من الصحف التي نشرت هذا الخبر تساؤل مثل هل الصلح هو الحل؟ بل احتفى الجميع بعملية الصلح التي تمت دون أن يكون هناك تحليل واقعي عما إذا كان هذا الصلح يصب في المصلحة العامة أم لا، وهو ما يعني أن الإعلام مغيَّب عن دوره الحقيقي في تصحيح اتجاه الدولة حينما تخطئ، ولذلك يطلق على الصحافة السلطة الرابعة التي يجب أن تتابع بدقة وتحلل لتصل لنتيجة تفيد المجتمع ككل أكثر من إفادة نظام يعمل لمصلحته قبل أن يعمل لمصلحة الجميع، ولذلك فالاستمرار نحو التعامل مع تلك القضايا بهذا الشكل أعتقد أنه بداية نهاية البداية لمزيد من الصراعات، ونهاية البداية لإعمال العُرف بدل من القانون، والمستفيد الأول من هذا النظام السياسي الذي يرغب في تجميل الصورة بعيدًا عن تجميل الواقع بشكل حقيقي وملموس، ولذلك إذا لم نعمل على إيضاح ذلك سنكون شركاء في الجريمة