عرض: إسحق إبراهيم
المؤلف: د. محمد فتوح (١٩٥٥ - ٢٠٠٨)
صدر الكتاب عن "بستان محمد فتوح الإبداعي" أبريل 2009
"مأزق الدولة المدنية ذات المرجعية الدينية.. جريمة ختان العقل في الصحف الدينية.. جلاء كابوس الإخوان عن أرض مصر... التبرك بالعقل وإرضاع العدل.. الجدل حول قانون نقل الأعضاء.. رئيسة جمهورية في الهند وميس حجاب في مصر.. أقلام تأكل على كل الموائد.. الشخصية المصرية بين التدين والسلبية.. مدام أو أم فلان" هذه الموضوعات تناولها كتاب الراحل د. محمد فتوح الجرى بعنوان "استلاب الحرية باسم الدين والأخلاق" الذي صدر أبريل الماضي بعد وفاته نهاية العام الماضي. وهو مجموعة مقالات نشرت في مجلة "روزاليوسف" تحذر من الدولة الدينية وتيارات الإسلام السياسي وتفضح مخاطرها.
وأكد المؤلف على رفض دعاوى البعض بأن تكون مصر دولة مدنية ذات مرجعية دينية، وقال إن ذلك يعني الرجوع إلى الدين بشكل أساسي لنستمد منه القوانين وإن هذه الصيغة تفرق ولا توحد وتثير العداوات والفتن بين أفراد الوطن الواحد، فالحصاد مر والقوانين التي تنتهك الحريات ستزيد ومنها قانون الحسبة الذي يعد سيفًا مسلطًا على رقاب المبدعين والمفكرين فتصادر الكتب وتلقى الاتهامات بازدراء الأديان وإنكار ما معلوم من الدين بالضرورة لكل من يعبر عن رأيه بحرية. فصيغة الدولة المدنية هي وحدها الكفيلة بتحقيق المساواة بين أفراد المجتمع وتكفل الحرية للفكر والإبداع.
وفي نفس السياق ينتقد الكاتب الممارسات التي تريد اغتصاب الحرية باسم الدين والأخلاق، فبينما كانت يملك كل مصري ومصرية حرية الرأي والملبس دون تفرقة نجد اليوم التمييز للدين بل وللزي الديني، فعلى سبيل المثال قامت مديرة مدرسة أم المؤمنين عائشة للبنات بالوراق بمعاقبة المدرسة هاله طلعت لمجرد أنها غير محجبة!! فقد أصبحت المؤسسات التعليمية أكثر اتساقًا مع أسلوب التيارات الإسلامية السلفية بالتركيز على قضايا شكلية وعديمة الجدوى بدلاً من أن تصب اهتمامها للنهوض بالعملية التعليمية.
وبعنوان "جريمة ختان العقل في الصحف الدينية.. نعيش عصر الكفار والجهاد ضد المشاركين" طالب الكاتب بمنع المطبوعات الدينية باعتبارها صحافة دينية قائمة على أساس ديني تمييزي وطائفي تزايدت خطورتها حيث أصبحت تملأ الأرصفة والعقول وتصف أعدائها بأعداء الإسلام وتسميهم الكفار والمشركين وهو ما يعرض أبناء الوطن غير المسلمين للخطر إضافة إلى أن هذه الصحف تهدف إلى زراعة الدولة الدينية.
وأنتقد الكاتب نماذج الحكم الإسلامية في المنطقة وقال إن حزب الله يعد ترسًا في الآلة الدينية العسكرية، هو لا يريد إلا رفع العلم الديني وإقامة الدولة الدينية والحكم الإسلامي الشيعي وترسيخ التمييز الديني والصراعات الطائفية خاصة أنه وجّه سلاحه إلى الداخل وقام بقتل اللبنانيين أنفسهم، فالحزب لا يهمه القضية الفلسطينية أو غيرها. وبالمثل حدث الاقتتال بين فتح وحماس، فالطرفان يدعوان إلى الحوار لكن ما أكثر اللقاءات التي تحاور فيها الطرفان ومع ذلك يفشل الحوار.
المشكلة تكمن في عقليات تجمع الكثير من آفات الفكر وأمراضه فالمتعصبون لآرائهم لن يفلح معهم الحوار. فمن تربى ونشأ على أحادية الفكر وعدم قبول الآخر لا يُجدي معه الحوار، أن من يهرولون إلى السلطة ويتشبثون بها دون مراعاة لأمن الناس لن ينفع معهم الحوار.
"أقلام تأكل على كل الموائد" بهذا العنوان أنتقد محمد فتوح وجود كثير من الصحفيين والكتاب يكتبون في صحف مختلفة ومتعارضة، وهو ما يدل على انه لا توجد فروق جوهرية جذرية من الناحية الأيديولوجية بين اليافطات الإعلامية المتناقضة المعلقة على المجلات والجرائد، فما يصلح أن يكتب هنا يكتب هناك وهذا يشير إلى وجود الكذب الإعلامي الذي يجذب الناس من واقع ضاغط وكذلك النفاق الإعلامي المنتشر كالذباب في الصحافة.
ومن القضايا التي تناولها الكاتب "مدام أو أم فلان" واعتمد فيها على ما قالته مقدمة برنامج "أدم وحواء" بضرورة أن نعود إلى روح القرية لنستلهم المسميات التي تليق بالمرأة ومكانتها واقترحت أن نطلق عليها أسم "أم فلان" و"أم فلانة" ورأت أن هذا المسمى هو الأنسب للمرأة فهي تفخر به.
وتساءل فتوح ماذا نسمى المرأة المتزوجة والتي لم تنجب؟ وماذا عن المرأة التي لم تتزوج؟ هذا المسمى عنصري ويتجاهل ذكر أسم المرأة وكأنها سبه وعار فيجب إلحاقها بمتبوع!!
وفي الكتاب نشر فتوح "قصة موته كما كتبها هو" حسب وصيته، وهو على فراش الموت حيث جعل هذا الشاب من علاجه في أكبر مستشفى خاص "دار الفؤاد".. شهادة على أسوأ صور المعاملة، فباع الرجل كل ما كان يملكه واستدان ودخل هذه الدار يوم الثلاثاء ١٧ يونيو سنة ٢٠٠٨ وبعد ثلاثة أشهر ونصف - حتى يوم ٢٦ سبتمبر ٢٠٠٨. وهو يشعر أنه ليس مستشفى ولكن في وكر عصابة تدربت على كيفية تفصيل الفواتير ووضع بنود تكاليف خرافية دون أن يستطيع أحد أن يكتشف شيئًا أو يظهر التحايل المتقن جدًا حتى يتم مص دم المرضى إلى آخر قطرة.
تعريف بالكاتب:
محمد فتوح باحث أكاديمي وكاتب مقالات وملحن ومغن لأغنيات من تأليف منى حلمي وماجد يوسف وسمير الأمير وغيرهم وحصل الراحل الكريم على الماجستير والدكتوراه في علوم البيئة وعلم النفس البيئي من جامعة عين شمس، قام بتأليف كتابين مهمين هما:
- الشيوخ المودرن وصناعة التطرف الديني 2004.
- أمركة العالم.. أسلمة العالم.. من الضحية 2006.