كتب ... إيهاب رشدي
في محاضرة له عن العصر القبطي ، قال الدكتور عاطف نجيب ، أستاذ القبطيات بجامعة القاهرة و المدير السابق للمتحف القبطي ، أن المسيحية المصرية قد ساهمت في الحضارة العالمية بشكل عام وفى التراث المسيحي بشكل خاص على أبعد تقدير. إذ ارتبط الفن القبطي بالديانة المسيحية في مصر. وهو من أغني الفنون المسيحية الشرقية.
وعن الفن القبطي قال أستاذ القبطيات ، أنه قد ظهر في خواتيم القرن الرابع , وبدأ يزدهر في القرن الخامس للميلاد ، ويعتبر الفن القبطي فن شعبي تأثر بالفن المصري القديم و الفن اليوناني الروماني بصفة عامة مثل المناظر الأسطورية والعناصر الزخرفية ، ومناظر من العهدين القديم والجديد , وظهرت في اللوحات الجدارية ثم الإيقونات ، و زينت الكنائس القبطية القديمة والحديثة بإيقونات ذات قيمة فنية عالية ، وفي القرن الثامن عشر أصبحت القاهرة مركزا لورش العمل من الرسامين المسيحيين من مختلف الطوائف المسيحية مثل الأرمن والسريانيين. وكانوا مسئولين عن رسم ونقش الأيقونات والحوائط.
أما المخطوطات التي ترجع من القرن الرابع إلى التاسع عشر فبعضها كتب باللغتين العربية والقبطية والبعض الآخر بلغات أخرى ، أما المواد المستخدمة فهي البردي والورق و الجلد .
بالإضافة إلى القطع المعدنية الجميلة مثل المصابيح والصلبان و أغلفة الكتاب المقدس التي تتجاوز الوصف. تلك القطع معروضة في المتاحف ومجلوبة من الأديرة والكنائس والمدن وهي ذات الاستخدام الديني أو كانت مستخدمة في الحياة اليومية.
وفى تعبير جميل يصف الدكتور عاطف نجيب ، مصر بعد دخول المسيحية إليها في القرن الأول للميلاد علي يد القديس مرقس ، بان " مصر مصرت المسيحية واستخرجت منها نسختها القبطية " ويتابع .. أن كلمة قبط مشتقة من التسمية اليونانية "ايجبتوس" أي مصر ؛ في إشارة إلى المصريين، و ترجع إلى الكلمة المصرية القديمة " حت كابتاح" وهي تشير إلى أحد أسماء مدينة منف , و أصبحت" أي جبت " التي ترجع لتحوير في النطق ، وعند الرجوع إلى أصول هذه الكلمة نجد أنها كانت تستخدم من قبل غير الناطقين بالعربية في إشارة إلى غير المسلمين ، وكلمة قبط ضمنيا تشير إلى المسيحيين منذ دخول العرب مصر علي يد عمرو بن العاص عام 641م، حيث ترك البيزنطيين عاصمة حكمهم "الإسكندرية" ، وأقام عمرو بن العاص عاصمة جديدة وهي الفسطاط (شمال حصن بابليون( .
اللغة القبطية
وعن اللغة القبطية يقول أستاذ القبطيات ، أن أقباط مصر قد استخدموها في الطقوس الدينية حتي الآن ، أما اللغة اليونانية فقد انحصر استخدامها في الإدارة فقط ، ومنذ منتصف القرن الرابع أصبحت الكنيسة منظمة في مصر ، واستخدمت القبطية في تدوين الكتب أيضا ، وتتكون أبجديتها من حروف يونانية مضاف إليها سبعة أحرف من الكتابة الديموطية ، وأهم لهجاتها اللهجة الصعيدية (والتي تعتبر أصل اللغة القبطية وتستخدم في مصر العليا) حيث كتب بها أغلب الأدب القبطي بينما اللهجات القبطية الأخرى (البحيري والفيومي والأخميمي ولهجات آخري) بها بعض ملامح أكثر أو أقل.
مدرسة الإسكندرية اللاهوتية
وعن تاريخ مدرسة الاسكندرية اللاهوتية قال الدكتور عاطف أنها قد ازدهرت فى أواخر القرن الثاني ، وهي أول وأهم المدارس اللاهوتية , والتي تأسست وتطورت على يد "بانتينوس" و"كليمنت" و"اوريجانوس"، وبنهاية هذا القرن بدأت المسيحية في الانتشار الواسع في مصر.
عصر اضطهاد الأقباط
فيما بين عام 249 و للميلاد260 تحت حكم الأباطرة "ديسيوس" و"فالريان" عانى المسيحيون من الاضطهاد الشرس. أما المرحلة الثانية من الاضطهاد الكبير فكانت تحت حكم الإمبراطور "دقلديانوس" مما جعل المصريون يبدأون التقويم القبطي بعام 284 وهو عام توليه العرش ويطلق عليه "تقويم الشهداء" و هو نفس التقويم المصري القديم.
وفي عام 313 أصدر الإمبراطور"قسطنطين الأول" مرسوم ميلان الذي ينص على وضع حد للاضطهاد والاعتراف بحق المسيحيين في العبادة بحرية تامة في جميع أنحاء الإمبراطورية الرومانية. وفي وقت لاحق جعل المسيحية ديانة رسمية في الإمبراطورية الشرقية في زمن الإمبراطور ثيؤدسيوس الكبير عام 381 م . وتعتبر نهاية القرن الرابع بداية للعصر البيزنطي.
الكنيسة القبطية
الكنيسة القبطية هي واحدة من الكنائس الأرثوذكسية الشرقية والتي تعيش جنبا إلى جنب مع الكنيسة الأرثوذكسية السريانية وانفصلت عن كنيسة القسطنطينية عام 451 م بسبب خلاف سياسي أكثر من كونه لاهوتي في عقيدة مجمع خلقيدونية ، و كانت هناك محاولات في عصور تالية لحل المشاكل المرتبطة الناجمة عن الاختلاف في تعريف طبيعة السيد المسيح حيث فضل بطاركة روما والقسطنطينية التعريف الذي يجمع بين الطبيعتين الإلهية والبشرية للسيد المسيح. وهذا الانقسام حدث عندما رفض المصريون هذا التعريف ذو الطبيعيتين وفضلوا الاعتقاد في طبيعة واحدة للمسيح كما صاغها البطريرك كيرلس وأن مصر قد قادت الحركة المناهضة للخلقيدونية الذين يمثلون غالبية البيزنطيون (الملكين) المدعمين من قبل الإمبراطور والدولة.
نشأة الرهبنة في مصر
يقول الدكتور عاطف نجيب أن القرنين الرابع والخامس شاهدان على ولادة الرهبنة في مصر، وتمثل الرهبنة دور عظيم للمسيحية. حيث أسهمت طبيعة مصر الجغرافية وصحرائها التي استخدمت كملاذ آمن للتعبد والرهبنة. حيث قام الناسك القديس "أنطونيوس الكبير" (حوالي 313-356) أب الرهبان - بالاعتكاف والعبادة في صحراء بالقرب من البحر الأحمر وأيضا القديس "باخوميوس" أب الشركة (292- 346) مؤسس نظام الشركة - في طابنسين في مصر العليا، وهما نموذجين مختلفين لحياة الرهبنة. ولعب الرهبان دورا هاما في تاريخ المسيحية في مصر , و بفضل ترجمة قوانين الأنبا باخوميوس إلي اللاتينية انتشرت الرهبنة في الغرب . ولذلك فان الرهبنة كانت إهداء مصريا للعالم كله .
المجتمع القبطي في مصر
واستمر المجتمع القبطي في مصر باقيا وذلك منذ منتصف القرن السابع حتى يومنا هذا، و تحتفظ الكنيسة الأرثوذكسية المعاصرة بتقاليد رحلة العائلة المقدسة في مصر وتعتز بتقاليدها المتوارثة مثلما يشير إلي ذلك المؤرخ الكنسي "يوسابيوس" ، ومع ذلك ليس لدينا معلومات دقيقة توثق فترة العصر القبطي وانتشار المسيحية في مصر.