بقلم: د. وجيه رؤوف

ضاقت الحياة في بلدي وقد أصابنا الضنك والإعياء ,
فالحرب الأهلية بين القبائل قد أتت على كل مظاهر الحياة في البلدة ,
ولم يكن هذا حالنا سابقا فتاريخنا معروف للجميع فقد كنا صناع للحضارة وكان الجميع من كل حدب وصوب يأتوا لبلادنا لكي ينهلوا من خيراتها و علمها , بل وكانت الشهادات العلمية التي تؤخذ من بلادي هي بوابه المرور إلى العالم المتحضر ,
بل وإن بلادي يوما قد أنقذت العالم من مجاعة حتمية لمده سبع سنوات وأنقذت بلادنا على يد سيدنا يوسف عليه السلام ,
كانت بلادي ملاذا لكل إنسان فقد عاش على أرضها سيدنا موسى كليم الله بل وقد أنقذت المسيح له المجد من ظلم اليهود بقياده الملك هيرودس الظالم ,
كانت بلادي ملجئ لكل إنسان ,
ولكن لم يعد حال بلادي كما كان ,


فقد أثار تفوق بلادي حسد الحاسدين وحقد الحاقدين , فهناك بلاد حولنا لنا خير عليهم وأيادينا بيضاء لهم ولكن بدلا من أن يردوا الخير بالخير أوغرت صدورهم ضدنا فأبوا أن لا يتركونا إلا كومه خراب , قديما ساعدناهم على النمو والرقى وأعطيناهم كل سبل التقدم والرقى ولكن ما أن ملكوا زمام أنفسهم إلا وقد تحولوا ذئابا تنهش فينا وتصرف من أموالها مليارات لتدميرنا وتمزيقنا ,
كنا معا في بلادي لا يفرقنا لون ولا جنس ولا دين ولا معتقد وكانت المرأة تعمل بجوار الرجل في الغيط وفى المدرسة وفى المستشفى ,
ولكن هؤلاء الحاقدين علينا دفعوا الكثير والكثير للبعض من قومي حتى يوغروا صدورهم ضد الآخر , وهكذا ظل هذا المسلسل يمتد من سنه إلى سنه حتى أصبح القوم شتاتا وعصبيات ,


فهؤلاء قد كفروا هؤلاء وقوم حرموا تزويج بناتهم من قوم آخرين لا يتفقوا معهم في الفكر ,
وهؤلاء منعوا زوجاتهم من العمل وهؤلاء أخرجوا أولادهم من المدارس والكليات ,
في البداية قدمت تلك الدول الحقود المال لدعم ألتفرقه ولكن بعد أن تم مرادهم وانقسمت بلادي إلى شيع وفرق كفت تلك الدول عن إرسال أموال فاستكان الجميع إلى السرقة والخطف والنصب وزراعه المخدرات وأغلقت دور العلم من كليات ومدارس و أخذت الحرب الأهلية تنهش في بلادي ومقدراتها ,وتحول جيش بلادي إلى عده ميليشيات منفصلة متقاتلة وأصبحت كتائب ,
زاد الفقر لدينا فلم يعد عندنا قمح وأصبحنا نقتات على عشب الأرض مما أدى إلى مرض أولادنا وهزالهم , فما كان منا إلا النزوح جنوبا حيث أن حدودنا الشمالية قد أغلقت علينا حتى لا نلجئ إلى بلاد الخليج أو إلى أوربا , كما أن بعض دول الجوار منعتنا من النزوح إليها , فما كان منا إلا أن أخذنا دوابنا كترحال إلى جنوب إفريقيا لكي ننقذ أولادنا من الجوع ,


وهناك حين وصلنا إلى الجنوب قابلونا بترحاب وأخذونا وأطعمونا وأكرموا وفادتنا ,
وجاءنا كبيرهم وهو وزير خارجية تلك ألدوله وقابلنا بترحاب شديد وأبلغنا بأسفه لما وصل إليه حال بلادنا قائلا :
حزين أنا لحال بلادكم وما وصلت إليه ولا أعرف سر هذا التردي في الأوضاع لديكم ؟؟!!
فأجبته :
إنها الحرب الأهلية يا سيدي التي أشعلها أعداء التقدم والحرية .
فقال وزير الخارجية :
لقد كنا نظن أنكم ولدتم وفى فمكم ملعقة من ذهب , لقد كان لديكم زعماء وعلماء وحضارة بل أن وجود علماء أمثال لطفي السيد والشيخ محمد عبده والشيخ محمد عبد الرازق والزعيم سعد زغلول ومصطفى النحاس وقاسم أمين والسيدة هدى شعراوي كل هؤلاء كانوا وسطكم ولم تستطيعوا الإستفاده منهم ؟؟!!
فسألته :


ماذا تقصد ؟؟
فأجاب وزير الخارجية :
كما تعلم فأنا أسود اللون
فقاطعته :
و ما دخل لونك سيدي , فأنت في منصب كبير وفى سعه وفى علم كبير وحضارة !!
فأجابني :
إنتظرنى قليلا وسوف أوضح لك , كما ترى فأنا وأبناء بلدتي من جنس أسود أللون وكنا فقراء وكان الاستعمار يتاجر فينا كالعبيد , وكنت وأنا صغير أرى أبائي وأجدادي يجلدون ويخطفون ويباعوا في السوق ,
وقد كنا نحسدكم على حريتكم وعلى زعمائكم وأفكاركم بل وكنا نسعى بكل ما أوتينا وكنا بيع الغالي والرخيص لكي نشترى كتبكم كي ننهل من علماؤكم ومن حضارتكم, ومن أفكار زعماؤكم أخذنا لنفسنا سبيلا واستطعنا التحرر والنهوض من العبودية والسخرة التي تعيشون فيها الآن !!!
فأجبته حزينا :
نعم يا سيدي , كنتم تحسدونا وتظنون أننا ولدنا وفى فمنا ملعقة من ذهب , ولكن يا سيدي أنتم أخذتم منا علوما وآمنتم بها وعملتم بما فيها وتحملتم الكثير ولذلك تحررتم , أما نحن فكانت لدينا العلوم وكانت لدينا الكتب ولكنا كنا نأخذ ما فيها برخاوة وبدون إيمان عميق , لذلك فقد نجحتم أنتم لأنكم ملكتم الإيمان بالمبادئ وأصررتم عليها فعبرتم من ألظلمه إلى النور , أما نحن فلم نأخذ بها فعدنا
إلى عصور الظلام .


فأجابني :
لقد وضعت الفأس على أصل الشجر ( يعنى أنني قد وصلت إلى السبب الحقيقي ) , وعلى الآن أن أشدد على أبناء بلادي حتى لا يسعى إليها من سعى إلى بلادكم فحطمها , والآن هل تطلبون لجوءا لبلادي أو إقامة كاملة , فأهلا بكم دائما ؟؟
فأجبته :
أشكرك سيدي , فبعد أن مددتنا بالكساء والغذاء , أتعشم منك أن تعطيني بعضا من كتب علماء بلادي حيث أن جميع الكتب في بلادي قد تم حرقها .
فسألني وزير الخارجية :
وماذا ستفعل بتلك الكتب ؟؟
فأجبته :
سأعود إلى بلادي لأعلم أولادها معاني الحرية والكرامة والإباء و المساواة والمحبة لعلى أستطيع أن أعيد بلادي إلى تقدمها وحضارتها لعل وعسى أن نصل إلى مثل علمكم أنتم وسائر العابرين .