The Theosis and the Bible
الأب اثناسيوس حنين
نجد فى الاصحاح الأول من سفر التكوين (كتاب ميلاد العالم) ’ نجد التنازل الألهى وعلاقة البشرية بالله ( وقال الله لنعمل الانسان على صورتنا
كشبهنا......) تك 1 :26 . البشرية مخلوقة على أيقونة) الله وكل كائن بشرى مدعو أن يصير على مثال الله . العلاقة بين الصورة والمثال علاقة جدلية وحيوية والجهاد الروحى كله هو لتضييق الفجوة بين الصورة والمثال . ...نحن مدعوون أن نصير الاهيون أي لاهوتيون ليس فقط قبل السقوط بل بعد السقوط. نحن بعد السقوط وما تبعه من مأسى ..بدأنا نرى خطة (الايكونوميا) الله فى أعادة البشرية لكى تصير على (مثاله) ...اختار لذلك الشعب العبرانى وهذا الاختيار هو اختيار جماعى . وحينما سيبدأ المشروع الجماعى في الفشل بسبب السقوط الجماع !لاحقا سيأخذ المشروع أو الايكونوميا طابعا فرديا فى أشخاص الملوك الاتقياء والانبياء داود وسليمان وقبلهم أشخاص القضاة الذين دعاهم الكتاب المقدس (أبناء الله ) و ايضا دعاهم (ألهة)
بالرغم من أنهم بشر أى أنهم مدعوون للتأله (الثيؤسيس)’ أي أن يصيروا اللاهوتيون وهذا معناه أن التلهوت ليس قاصرا على فئة من الشعب بل كل شعب الله مجعوا الى التلهوت لأن كل من يصلى هو لاهوتى حسب العظيم اوريجينوس . العهد القديم حافل بالتعاليم التى فيها الرجال والنساء مدعوون للتمتع بالبركات كأولاد وبنات الله والدعوة لهم ولهن هى للاتحاد بالله أى الثيؤسيس .
العهد الجديد علم عن هذا الموضوع بطرق جميلة ورائعة ولقد انطلق العهد الجديد أن الله نفسه قد صار انسانا وأتخذ واتحد بالطبيعة البشرية وقام برفعها الى مرتبة اللاهوت (الثيؤسيس) حينما وحدها بطبيعته الخاصة ورفعها الى عرش الله بدون أن يختلط اللاهوت بالناسوت ’ أى لا يصير الانسان الها ولا يصير الانسان الها وهذا يتطابق مع الحقيقة التى أطلقها القديس أثناسيوس :
" لقد صار الله انسانا ’ لكى يصير الانسان الها" . يكلمنا المسيح ابن الله دائما عن دعوتنا ويدعونا الى الثيؤسيس "لكى تكونوا ابناء أبيكم الذى فى السموات"(متى 5 :44 ) وبالطبع الابن ليس غريبا عن جوهر الأب . ولقد كتب القديس بولس بكل وضوح الى أهل غلاطية :
" ...لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة ..مولودا تحت الناموس ليفتدى الذين هم تحت الناموس لننال التبنى ..ثم بما أنكم أبناء أرسل الله روح ابنه الى قلوبكم صارخا "يا أبا الأب" اذا لست بعد عبدا بل ابنا وان كنت ابنا فوارث لله بالمسيح" . الله صار فى المسيح ابونا ونحن عياله ...هذه هى دعوتنا ...الثيؤسيس فى العهد الجديد هى تبنى الله للانسان وشركة الانسان فى قداسة الله وعدم الفساد بمجد لا يوصف. الثيؤسيس واضحة فى خلق الله للانسان على صورته . ما معنى الخلق " على صورة-أيقونة الله " ؟
لقد قدم اباء الكنيسة ابعادا كثيرة لهذا السؤال وكلها تكمل بعضها ’ فأحيانا يشرح الأباء "صورة الله" على أنها المكانة الملوكية للجنس البشرى أى تفوق الانسان وسموه على العالم المادى والحيوانى ...وأحيانا يرون الصورة فى البعد الروحانى الكامن فى الطبيعة البشرية ...أو فى القدرة على التفكير وهو العقل والطاقات الابداعية فى الانسان وتحويل الطبيعة الى حضارة . والصورة هى حرية الانسان وهذه الحرية هى مصدر كل أعمالنا وكلمة حرية فى اللغة اليونانية حافلة بالمعانى الرائعة فهى تعنى (اليفثيريا ) والكلمة كمعظم كلمات اللغة اليونانية مركبة من مقطعين الاول (اليفسيس ) أى الحضور والقدوم والاطلالة والمقطع الثانى ( ايروس ) اى الحب والعشق والهيام ....وهنا يكون معنى الحرية هو (الحضور الدائم للحب والعشق ). لا حرية بلا حب ولا حب بدون حرية ’ حينما يحصرنا حب المسيح ونتفاعل مع النعمة التى نحن فيها مقيمون من خلال اقامتنا فى طبيعة الابن الوحيد الناسوتية والمتحدة فى ذات الوقت بالطبيعة اللاهوتية فى شخص اللوغوس الابن الوحيد حسب تعبير كيرلس ’ يهرب من كياننا كل جبن وخنوع ونفاق وجهل مقدس .يرى لوسكى (اللاهوت الصوفى للكنيسة الارثوذكسية ص 132 ) أن صورة الله هى خصائص النفس البشرية الاصيلة مثل البساطة والكرامة والثقة بالنفس وحب التحدى والخلود وحب المعرفة والقدرة على اقامة علاقة باللاهوت وعالم الروح والاحساس بمسئولية الانسان عن كل الخليقة .ويرى بعض الأباء أن صورة الله فى الانسان لا تقتصر على النفس بل تشمل الجسد ايضا المخلوق على صورة الله (أغريغوريوس بالاماس ) وهذا هو جديد المسيحية. الصورة الالهية فى الانسان او حسب التعبير الاصلى الايقونة لا تشير الى عنصر واحد من الانسان بل الى كل الانسان ’ الى الطبيعة البشرية فى كمالها. كما اغريغوريوس النيسى فى كتابه ( خلق الانسان . باترولوجيا جريكا 44 :184 ب ). الصورة هى العنصر الثابت فى الانسان والشبه هو السعى الى تحقيق الثابت فى مشروع الحياة جسب موهبة كل واحد. السعى الى اخراج طاقات وامكانيات ومواهب الصورة اللاهوتية الى مشروع انسان جديد. هذا التحول الانسانى يسميه الأباء (الثيؤسيس) وهذا التأله لا يحدث فجأة ولا هو طفرة بل صيرورة دائمة ويصل الى القداسة وعدم الفساد والنصرة على الفناء مثل حياة الكائنات الاولى فى الفردوس وهذا ما نراه فى حياة القديسين الذين لم يفعلوا شيئا غريبا بل قبلوا أن يصيروا مشروع اللاهوت على الارض وهنا يقول يوحنا الدمشقى ( لقد عاش الانسان الأول حياة الهية فى الجسد فى أجمل مكان وضعه فيه الله ...وكان الله مسكنه فى الفردوس ...كان الانسان الأول يلبس النعمة...وكانت النعمة طعامه الوحيد اللذيذ ورؤيه اللاهوت غذائه ...لقد شابه الانسان الأول أو كاد الملائكة).
العهد الجديد لا يقدم قضية الثيؤسيس تقديما نظريا وعاطفيا بل يقدمها من خلال رؤية عمل الاب فى المسيح والذى ينتقل الى المسيحيين فى الكنيسة بالروح . حينما يدعونا "الأسير فى الرب"بولس الى أن نسلك فى الدعوة التى دعينا اليها ’ يضع لنا برنامج متكامل لهذه الدعوة بكل ابعاد البرنامج اللاهوتية والكنائسية والروحية والتبشيرية (راجع أفسس 4 : 1 -32 ) والمواهب كلها النازلة بالنعمة حسب قياس هبة المسيح هى لأجل تكميل القديسين أى المؤمنين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح الذى هو الكنيسة . الرسول فى الاصحاح الرابع من رسالته الى أهل أفسس يقدم لنا وصف دقيق لكل التطبيقات العملية لعطية الثيؤسيس . يستطيع الدارس أن يقرأ من التكوين الى الرؤيا خطة الايكونوميا اللاهوتية من أجل خلاص الانسان اى توبته وتقديسه وتألهه . بشارة يوحنا الحبيب هى مسيرة نحو الثيؤسيس . من البدء حيث الكلمة كائن ........الى الدعوة الكبرى "أتبعنى أنت " 21 : 22 . والبشارة اليوحنائية مسيرة منى الكلمة الدعوة ...الدعوة الاولى "اتبعنى " يوحنا 1 :43 ...الدعوة الأخيرة " أتبعنى أنت "يوحنا 21 :22 . بين الدعوتين يوجد كل برنامج الشركة مع الله فى الكلمة بالروح . لكن لهذه الرحلة سنكرس دراسة منفردة .
يحذرنا الرسول بولس من أن يسبينا أحد بالفلسفة وبغرور الباطل حسب تقليد وتعليم الناس وحسب أركان هذا العالم وليس حسب المسيح ’ لأن "فيه اى فى المسيح يحل ملء اللاهوت جسديا ": وما علاقة هذا الملئ بنا يرد الرسول " وأنتم مملؤوؤن " ’ ملء اللاهوت حل فى المسيح جسديا أى فى ناسوت المسيح وعن طريق اتحادنا بناسوت المسيح المؤله بنا فى اتحاده باللاهوت فى شخص المسيح الواحد فى اتلمعمودية والافخارستيا والقرأة والصلاة والسهر والسكنى دوما فى الميل الثانى ’ نصير نحن مملؤؤؤن فى المسيح . لأننا قد متنا وحياتنا مستتترة مع المسيح فى الله .لهذا يمكننا أن " نميت أعضائنا التى على الارض الزنى والنجاسة الهوى الشهوة الطمع الذى هو عبادة الاوثان " هذا كله صار ممكنا لأننا قد "خلعنا الانسان العتيق مع أعماله ولبسنا الانسان الجديد " هذا الانسان الجديد ليس هو شئ استاتيكى بل ديناميكى لأنه "يتجدد بالمعرفة والدراسة والسهر والصلاة والنسك والترك والحب .وسكنى الميل الثانى ...حسب صورة خالقة فى المسيح .(رسالة كولوسى الاصحاح الثالث ).