كتب - محرر الأقباط متحدون أ. م
حلّ الكاتب والباحث د. يوسف زيدان، ضيفًا ببرنامج "رحلة في الذاكرة" المقدم عبر روسيا اليوم، متحدثًا عن اللاهوت التوحيدي وأصول العنف المقدس.
وطرح خالد الرشد، مقدم البرنامج عدة أسئلة على النحو التالي، هل يمكن فصل الديني عن السياسي في الأديان الإبراهيمية التوحيدية؟ أين تمكن جذور العنف الديني وعدم التسامح مع المخالفين من مرتدين وهراطقة وزنادقة؟ لماذا سالت دماء كثيرة باسم الله الغفور الرحيم؟
من جانبه قال د. يوسف زيدان، أن الظن بأن الإرهاب محلي هو خطأ فادح، وربط الإرهاب بالإسلام أيضًا خطأ فادح، فالتوراه بها حروب بأمر الله، واصفًا يشوع بن نون بـ السفاح الذي يسفك الدماء باسم الله، وهذا العتو قبل الإسلام بنحو ألف أو ألف ومئتي سنة قبل الإسلام، فهناك حالة تمجيد للعنف باسم الدين، ولا أدري كيف يكون الله عنيفًا على هذا النحو وهو الخالق؟
وتابع، جاءت المسيحية في محاولة وصفها بـ الغير ناجحة للتعديل هذه الصورة الدموية، وأن هذا التصور المشوش في الألوهية أدى إلى هذا التناقض.
مضيفًا، كانت الديانات الأقدم غنوسية أي تعتمد على استشراف الحقائق العليا بشفافية النفس الإنسانية عندما تترقى وتبتعد عن ملاحقة الماديات والشهوات، فتصفو وتتجلى لها الحقائق، فالبوذية ديانة غنوسية ومصر القديمة اعتمدوا الديانة الغنوسية أيضًا، أي أن النفس الفاضلة تستشف المعاني من السماء، لكنها لا تحتكر الحقائق الوحيدة والمطلقة، على عكس الديانة اليهودية مثلا التي جاءت بالاحتكار للمعتقد الأوحد الأصح.
مشددًا، أن اليهودية والمسيحية والإسلام هي ديانة واحدة لها ثلاث تجليات مشهورة، باختلاف الزمان والمكان، إنما يظل الدين واحد، يعتمد على ألية واحدة هي نزول الحقيقة من السماء إلى الأرض عبر وسيط واحد، هو النبي أو الرسول، ومن ثم لا يجوز لك مخالفته، ثم لا يجوز لك مخالفة ما انتهى إليه المنتسب لهذا الرسول، ثم لا يجوز لك مخالفة النصوص الثوالث، وأصبح الإشكال الديني المؤدي إلى العنف لا يقتصر فقط على النص الأول الذي جاءت به هذه الديانات وهو التوارة ثم الإنجيل ثم القرآن، وأضيف إلى هذه النصوص الأولى محدودة الإشكال، نصوص ثوالث أوسع مجالاً للتأويل وهي ما يمثل في اليهودية التلمود، وفي المسيحية أعمال الرسل، وفي الإسلام الحديث النبوي.
واستطرد، ثم مع مضي الزمن وميل الإنسان إلى الإعلاء الوهمي للذات بالتعصب لعقيدة ما، ظهرت خطورة النصوص الثوالث وهي شروحات التلمود ، واعترافات الآباء، والمسيحيين هم من ابتدعوا قتل المرتد، فالبابا كيرلس الملقب بعمود الدين، قتل المخالفين له، ولما جاء المسلمون جاءوا على هذه القاعدة.
وأضاف، الحديث النبوي بصرف النظر عن صحته -على حد تعبيره- «لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه"، مستطردًا: وبالتالي هناك تطابق مذهل في المسارات العقائدية للتجليات الثلاثة للديانة الإبراهيمية "اليهودية والمسيحية والإسلام".
وتابع، إذا انتقلنا من الماضي للحاضر، نجد أن ما يحدث الآن من إرهاب هو تنشيط للرؤى المتشددة في أزمنة سابقة وتغليب النصوص الثوالث على النصوص الأولى بحيث وجدنا بعض المشايخ -الذين وصفهم بالمخابيل- بأن الحديث يجود بالقرآن، وقال أحد المشايخ أن حذاق الأمة والأئمة يأخذون بالحديث ويغلبونه على القرآن، وقال ذلك على الملأ ولم يردعه أحد.
وعلل ذلك بقوله، أن الحديث متسع، وكل ما تبحث عنه ستجده فيه، فإذا أردت حديث عن الرحمة ستجد، أو حديث أن تقتل وتسبي ستجد، لكن النص القرآني أكثر إحكامًا، وكذلك الحال في المسيحية واليهودية أيضًا.
مضيفًا، فإذا قال القرآن وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين، يقول الحديث "جعل رزقي تحت ظل رمحي" فيغلب هذا على ذاك فتظهر داعش، فكأن العنف المعاصر هو تفعيل للعنف الدموي العتيد العتيق وإعادة إحياءه مرة أخرى لتفجير العالم هربًا منه إلى السماء حيث الخلاص التام عند المسيحيين، حيث حور العين عند المسلمين، وهذا الهوس الجنسي الذي يستولى على المحرومين.
وأوضح أنه طيلة أربعين عام ماضية فُتحت الشاشات والتلفزيونات لأشباح يسمونها "دعاة" ممولة دوليًا وتفوح منهم رائحة النفط، وشوشت العقول، وثبتت الخرافة في الأذهان وإدمان الحلم المستحيل بأن الرجل سيملك قوة 600 رجل فينكح في الليلة ألف من حور العين من الأبكار، اللواتي يعدن أبكار إثر كل مرة.
وأضاف بقوله، "تصورات شخص خبيث يلعب في عقول أشخاص سذج، وإلا فما المعني في فض البكارة؟".
وقال أن المجتمعات جعلت ما قاله الشافعي مساوو لما جاء في القرآن، وهناك بلدات وقرى في الشام في القرن الثامن الهجري تقاتلوا لاختلاف المذهب بين الشافعية والحنفية، ولعقود طويلة لم يكن المسلمون يتزوجون من مختلفي المذاهب وكأنها ديانة أخرى.
وتساءل، من ينادون بفصل الدين عن الدولة، أقول لهم: متى انفصلا وكيف ينفصلان؟ فالدين والسياسة في مجتمعاتنا هم كتلة واحدة أصلاً، ويصل الأمر إلى القتل باسم المذهب وليس الدين في العموم، فأي خبل أكثر من هذا؟ كل هذا بسبب غياب تطور الخطاب التاريخي، فمن يقرأ تاريخ هذه الأمة يجد أنها لم تتطور منذ ألف سنة، فالقضايا المطروحة هي هي منذ ألف عام، ولا يزال ابن سينا متهمًا من قبل العرب ويراه المشايخ ملحد وكافر، بينما العالم أجمع يحتفل به، وفي روسيا هناك أكاديمية علمية كاملة تحمل اسمه، وأحد أشهر جراحين زراعة الأعضاء بروسيا لا يضع في مكتبه إلا صورة ابن سيناء.
وحلل زيدان الوضع العربي، بأن القائمين على الحكم غيبوا أمثال بن سينا وبن النفيس، فاتسع المجال للجهالة وأفسح الطريق للمشايخ الذين يحرضون على الآخر.
واستنكر زيدان حقبة الدولة العثمانية وما فعلته من جرائم أسمتها غزو، وتحويل أكبر كنيسة بالعالم "أيا صوفيا" إلى مسجد، قائلاً: كل هذا العتو لا علاقة له بأي دين، بل له علاقة بالسلطة التي تتخذ من الدين متكأ لمساعدتها.